عندما يتولى حاكم الكويت التالى السلطة سيتعين عليه طمأنة الأطراف المتنافسة داخل أسرة الصباح، بأنه يحمى مصالحهم، أما الحفاظ على الاستقرار وإحراز تقدم باتجاه الإصلاح الديمقراطى فهى قضايا مؤجلة على الأقل فى بداية عهده. كان الشيخ صباح الأحمد الصباح (83 عاما) الأمير الحالى للكويت قد قاوم مطالب المعارضة بمنحها سلطات أكبر لوضع السياسات داخل البرلمان الذى تتراجع قدرته على الحسم والذى حله الأمير عدة مرات، وسيواجه خلفه المرتقب وأخوه ولى العهد الأمير الشيخ نواف الأحمد الصباح (75 عاما) الضغوط نفسها، لكن فى ظل وجود الكثير من أفراد أسرة الصباح الكبار فى السن ممن يطمحون للمناصب وخلاف يعتمل تحت السطح بين الفرعين الأكثر نفوذا يبدو من المؤكد أن وحدة الأسرة ستكون أكثر التحديات إلحاحا. ويقول كريستيان أولريكسن الباحث فى شئون دول الخليج فى كلية لندن للاقتصاد إن التوصل إلى اتفاق لن يكون سهلا، مضيفا "أى زعيم كويتى سيواجه بمشكلتين مرتبطتين ببعضهما بعضا، الأولى هى إدارة الفصائل داخل الأسرة والثانية هى إدارة العلاقة بين الحكومة والبرلمان والحكومة فى الأساس هى الأسرة". ويوافق البرلمان المنتخب فى الكويت على مشروعات القوانين والميزانية لكن المناصب الحكومية العليا يتولاها أفراد أسرة الصباح، كما أن لهم أدوارا بارزة فى الحرس الوطنى والسلك الدبلوماسى والهيئات الاستثمارية والشركات الحكومية. والأمير نواف فى طريقه لخلافة الأمير عندما يحين الوقت، والأمير الحالى الذى وضع له جهازا لتنظيم ضربات القلب فى عام 1999 يسافر كثيرا ويبدو هو وولى عهده فى صحة جيدة. وأيا كان ما يمكن أن يحدث فى الكويت وهى حليف رئيسى للولايات المتحدة ستكون له تداعيات على أنظمة ملكية فى المنطقة تواجه كذلك ضغوطا من أجل إجراء إصلاحات سياسية فى أعقاب الانتفاضات التى اجتاحت العالم العربى العام الماضى. والكويت من أغنى دول العالم من حيث نصيب الفرد بفضل ثروتها النفطية وقلة عدد مواطنيها البالغ 1.2 مليون نسمة والذين يحصلون على مزايا سخية إلى جانب نحو 2.4 مليون أجنبى يعملون بها، كما أن الكويت من أكثر دول المنطقة تمتعا بالحرية السياسية وتشهد مناظرات سياسية قيمة، ولديها مجلس تشريعى منتخب يضم سنة وشيعة وليبراليين وإسلاميين ولديها وسائل إعلام نشطة. وكانت الأزمات السياسية المتكررة قد عطلت استثمارات وإصلاحات اقتصادية مهمة ومع ذلك شهدت الكويت تشكيل عشر حكومات وحل خمسة برلمانات منذ أوائل عام 2006، لكن المحللين يعتقدون أن المعارضة لم تتمكن فى الوقت ذاته من تحقيق الأغلبية الكافية التى تمكنها من تهديد حكم أسرة الصباح المستمر منذ 250 عاما. فلم تعلن المعارضة البرلمانية أو حركة الشباب أن هذا هو هدفها. وقال الكاتب والمدون الكويتى داهم القحطانى إن التغيير سيكون بطيئا دون وجود تهديد قوى مثل أزمة اقتصادية تنتج عن انخفاض حاد فى أسعار النفط أو تهديد مادى من دول مجاورة مثل إيران أو العراق الذى غزا الكويت وضمها عام 1990 مما أشعل حرب الخليج الأولى. وظهرت الانقسامات داخل أسرة الصباح لأول مرة فى عام 2006 بعدما تعطل العرف السائد فى تبادل السلطة بين فرعى الأسرة جابر وسالم، عندما أجبر الأمير السابق سعد العبد الله الصباح وهو من فرع سالم على ترك السلطة بعد أن تولاها بأسبوع واحد تقريبا بسبب مرضه، وبدلا من تعيين أمير آخر من فرع سالم وافقت الأسرة والبرلمان على الشيخ صباح الأمير الحالى للبلاد الذى عين فردا آخر من فرع جابر هو الأمير نواف لخلافته. ويقول محللون وأعضاء فى البرلمان إن بعض أفراد الأسرة الحاكمة يناورون الآن سعيا إلى السلطة ويعملون من خلف الستار لاستغلال البرلمان والاحتجاجات السياسية للدفع بجدول أعمالهم. وسيكون اختيار الشيخ نواف لرئيس وزرائه وولى عهده ومستشاريه أمرا حاسما، ويقول مراقبون إن من المرجح أن يعطى لرئيس الوزراء سلطة معالجة العلاقات الصعبة بين الحكومة والبرلمان. وقال رئيس تحرير إحدى الصحف الكويتية الكبرى وهو مثله مثل أغلب من طلب رأيهم فى هذا التحليل طلب عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع "فى الماضى كان لدينا رؤساء وزراء أقوياء جدا لديهم القدرة على العمل والتفاوض، أعتقد أنه سيتبع هذا النموذج". والشيخ نواف وهو وزير دفاع وداخلية سابق شخصية قليلة الظهور والكلام فى المحافل العامة، ولم يرد الديوان على طلب إجراء مقابلة معه أو مع كبار مستشاريه. ويقول محللون ودبلوماسيون إن أسلوبه الحصيف هذا قد يعنى أنه لن يتقبل سوى قدر متواضع من مطالب المعارضة وكى يفعل ذلك سيكون عليه إرضاء مجموعات داخل الأسرة الحاكمة. وقال محام ومعلق سياسى كويتى "بعض أفراد الأسرة الحاكمة يتمسكون بهذه الأفكار القديمة. الشيخ نواف حريص لكن يمكنه تقبل التغيير". وقد تتضمن هذه التغييرات السماح بإسناد بعض المناصب الوزارية لأفراد من خارج أسرة الصباح أو إعطاء المعارضة الفرصة لمساءلة كبار الوزراء فى البرلمان دون التهديد بحله. وقال رئيس تحرير الصحيفة الكويتية إن الشيخ نواف يصر على مقابلة جميع الأشخاص ويبدى استعدادا للإنصات إلى من يختلف معهم فى الرأى. ويقول دبلوماسى إنه يتعين على المعارضة التى فازت بأغلبية مقاعد البرلمان فى الانتخابات التشريعية التى أجريت فى فبراير الماضى القيام بدورها بتوحيد صفوفها ووضع مسودة برنامج سياسات يعتد به ويتطلع للمستقبل بدلا من الاكتفاء بانتقاد الحكومة. وأضاف الدبلوماسى "برلمان عام 2012 لم يفعل شيئا. الشىء الوحيد الذى قام به هو تعطيل خطة التنمية" مشيرا إلى خطة بتكلفة 30 مليار دينار (108 مليارات دولار) تهدف إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتنويع الاقتصاد. ودعا نواب المعارضة فى البرلمان المظاهرات التى تضم آلاف الكويتيين والتى أصبحت أمرا معتادا منذ العام الماضى إلى اختيار رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة من بين أعضاء البرلمان المنتخبين وليس من أفراد الأسرة الحاكمة. وقال بعض النشطاء والكتاب كذلك إنه يتعين السماح بتشكيل أحزاب سياسية وهو أمر محظور فى البلاد. وفى الوقت الراهن يشكل أعضاء البرلمان تكتلات على أساس السياسات أو الروابط العائلية. ومن القرارات المهمة التى سيتعين على الشيخ نواف اتخاذها فى أوائل عهده هو من سيكون ولى العهد، والقرار يتطلب موافقة البرلمان. ويقول دبلوماسيون إنه من المستبعد أن يعين أحد أفراد فرع سالم الذى تضاءل نفوذه على مدى الأعوام الستة الماضية. ومن المرشحين المحتملين الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح نائب رئيس الحرس الوطنى، وتنتظر على أهبة الاستعداد شخصيات بارزة أخرى من الأسرة الحاكمة من الفرعين ومنهم نائب رئيس الوزراء السابق الشيخ أحمد الفهد الصباح ورئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد الصباح وقال دبلوماسيون إن تعيين عدد من أبناء الجيل الأصغر سنا سيكون خطوة إيجابية لكنها تتعارض مع أعراف المجتمع الكويتى. وقال أحد الدبلوماسيين "إنهم لا يحيطون أنفسهم بشبان صغار السن، وإذا لم يفعلوا ذلك سيواجهون الدخول فى المسار السعودى.