من المحزن والمؤسف أن نجد أشخاصًا - من المفترض أنهم درسوا العلم الشرعى وملمون بأحكام الشريعة ويقومون بنصح العامة وتعليمهم أمور دينهم - يقومون بإصدار فتوى تبيح قتل متظاهرى 24 أغسطس باعتبارهم خوارج ويسعون إلى فتنة، وهذه كارثة وإهانة لنا نحن أصحاب أعظم رسالة، أن نهين ديننا الحنيف، وهو برىء من هذه الفتاوى المتطرفة التى تسىء لنا جميعًا. لقد نسى الذى أفتى تلك الفتوى - التى هى بحد ذاتها فتنة لأنها تحرض الناس على العنف - أن دم المسلم وشرفه وماله على المسلم حرام شرعًا، ويعتبر العتداء عليها من الكبائر، وأى دم آخر بدون وجه حق حرام أيضًا، ونسى أيضًا أن سيدنا الحسين قد تنازل عن الخلافة لمعاوية حقنًا لدماء المسلمين، وحرصًا على استقرارهم وأمنهم، وأن المعارضة مطلوبة، والاختلاف موجود، لذلك أنزل الله تعالى لنا سورة "الشورى"، فلماذا محاولات القمع والترهيب وتحريض الناس عليهم؟ أنا لست معهم، بل أنا من أنصار إعطاء الفرصة وعدم التسرع، ولكن هم لديهم مخاوف أخرى، ومن حقهم أن يعبروا عنها ماداموا لا يهدفون إلى العنف أو التخريب أو إتلاف الممتلكات العامة، لماذا قمنا بالثورة؟ من أجل حرية التعبير، وبدلاً من محاولات قمعها وتحويلها إلى عنف وإراقة مزيد من الدماء ومزيد من العنف والاضطرابات نحاول أن نبحث مطالبهم ودراستها والرد عليها، وأهمها تحجيم نفوذ الجماعة ووضعها فى نصابها الصحيح، مثلما حدث مع المجلس العسكرى، وهذا القرار فى مصلحة البلاد، نريد أن نكون دولة مؤسسات يحكمها القانون، لا دولة أشخاص أو أحزاب أو تيارات، وإذا استمررنا على نهج فكر النظام السابق - وهو فكر دولة أشخاص وحزب الأغلبية - فلن نحقق شيئًا، وسنظل فى دائرة صراع المؤسسات، كما هو دائر الآن، وأتمنى أن يصدر أمر بعدم إصدار فتاوى إلا عن طريق الأزهر ومشايخه، بصفته الجهة التشريعية الوحيدة فى أحوال الشريعة وأحكامها، ومعاقبة من أصدر تلك الفتوى التى هى فتنة فى حد ذاتها، ومحاولة لقمع الحريات، ولكن بصورة دينية، وهى أسوأ، لأن إقحام الدين وإدخاله فى معارك سياسية يضر به ولا يفيد، وإذا افترضنا أنهم مخربون فالشرطة هى من يتعامل معهم؛ لأننا دولة قانون، ولسنا فى غابة، ويجب ألاَّ ينخدع العامة بمظاهر التدين والشكليات، فليس كل دارس علم شرعى يصلح أن يكون عالمًا ومفتيًا.
