هل أصبح قطع الطرق حسنة؟ وهل ترويع الآمنين أصبح شهامة؟ وهل من الأخلاق أن كل من عنده مشكلة أو حتى مصيبة، يريد أن يُجبر غيره أن يتحملها حتى لو لم يكن مشاركا فيها أو سببا لها. إن خلق المسلمين هى إماطة الأذى عن الطريق والإيثار (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَ) وأنهم يسارعون لنجدة بعضهم. أما ما يحدث اليوم فهو إيذاء للناس بكل السبل، ولا أعرف ما هى الجريمة التى يقترفها الناس المسافرون لأعمالهم أو لقضاء مصالحهم، حينما يُقطع عليهم الطريق عنوة، ودون سابق إنذار، لساعات طويلة تحت لهيب الشمس، أو فى ظلام الليل؟ ما ذنب الأطفال والسيدات والمرضى المحتجزين كالرهائن على الطرق؟ والغريب أن الذين يقطعون الطريق ليسوا أعداء لنا، بل هم بعض من شعبنا الطيب المتدين!!! إن ما يفعله بعض المصريين هذه الأيام لم يحدث فجأة إنما هو امتداد للبلطجة التى جربها بعض الناس، وأتت بنتائج ما كان يحلم بها أحد. بدأها البعض باقتطاع جزء من الشارع، ولم يحاسبه أحد، وبدأوها يوم أن ارتفع البعض ببيوتهم أدواراً مخالفة، ولم يحاسبهم أحد حتى الفلاح البسيط الذى كان يخاف بمجرد أن يسمع كلمة الحكومة، تجرأ واختطف من الأرض الزراعية، ما استطاع وبنى عليها، ولم يكتف بالبناء، بل قام بتوصيل المرافق مخالفاً كل القوانين والأعراف، وكان أكثر إقداماً منه ساكنو الحضر الذين حولوا المدن إلى بؤر عشوائية، وكأن مصر ناقصة عشوائيات!!! وغيروا شكل الشوارع وأقاموا المتاريس أمام بيوتهم، وحولوا الشوارع إلى شوادر وإلى قهاوى بلدى وأفرنجى، وإلى جراجات متعددة الأغراض، كل هذا يحدث، والكل يعلمه، وأول من يعلم هذه الحقيقة نواب الشعب الذين يفخرون بأنهم اختيار الشعب، نعم أنتم اختيار الشعب لاشك فى ذلك، لكن أنتم أيضا تعرفون أن الشعب الذى أتى بكم هو نفس الشعب الذى يمارس كل طقوس التعدى على حقوق الآخرين وحقوق الدولة. إن الشعب هو الشعب فى كل مكان، وفى كل زمان، لو لم يجد قانونا يردعه ويعاقبه يتحول إلى قانون الغابة.. القوى يأكل الضعيف حتى لو كان ذا قربى أو من اليتامى!! حتى فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرتدع الناس إلا حينما قال "والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها..". عرفها الناس حينما قالها أبوبكر لمن امتنع عن دفع الزكاة، وقال "والله لو منعونى عقالاً كانوا يعطونه لرسول الله لقاتلتهم عليه"، وعرفها الناس حينما أقام عمر رضى الله عنه دولة العدل حتى أعطى سَوْطاً للقبطى، وقال له اضرب ابن الأكرمين وطبق العدل بالقانون، ونام مرتاح الضمير تحت شجرة!! أما الآن يخرج علينا كل يوم مسئول ويقول لن نستطيع أن نفعل شيئا إلا إذا ساعدنا الشعب.. يا أيها المسئول أنت أول من تعرف أن الشعب لن يساعدك.. الشعب يساعد نفسه فقط، ويجرى وراء مصالحه فقط.. ولم تنهض أمة وما تقدمت إلا بالحزم والعدل والقوة وتطبيق القانون، وما ضيعنا سابقا إلا التغاضى عن تطبيق القانون خاصة للمحاسيب وفى مواسم الانتخابات!! ومهمة المسئول ومهمة الحكومة، وأولى مهام الرئيس، ومعنى الدولة الحقيقى أن يُطبق القانون على الجميع دون استثناء، وكل من ارتكب جرماً فى حق هذا البلد لابد أن يحاسب، ول ايكون الحل أبداً أن يبقى الوضع على ما هو عليه.. فكل من بنى مخالفاً، وكل من أخذ شيئاً بغير حق، لابد أن يعيد ما أخذه، ولن تجدى الطبطبة مع الناس، ولا مع المسئولين الذين لا يقدرون على تحمل المسئولية، وأنا لا أنكر أن هناك مشكلات حقيقية يعيش فيها الشعب المصرى، تحتاج إلى حلول عاجلة، ولكن الحل ليس فى البلطجة، وفرض الواقع بالقوة.. وعلى الذين يتولون مسئولية هذا الوطن أن يكفوا عن التهرب من تحمل مسئولياتهم، وأن يختاروا من أبناء الوطن المخلصين الشرفاء ذوى الإرادة الذين يقبلون بالمحاسبة، وعليهم أن يعيدوا للوطن هيبته، وأن يوقفوا الخراب الذى يزحف كالجراد فى كل ربوع الوطن.