للقاضي النزيه الشريف المناضل المستشار أحمد مكي، مكانة في قلبي، وفي قلب كل مصري، وكذلك الدكتور أحمد كمال أبو المجد، وقد استغربت بشدة من دعوتهما للشعب المصري للتصالح مع مبارك، بمجرد أن يرد الأموال للشعب، وكأن الأزمة أزمة مال منهوب، ونسيا وكلاهما رجل قانون، أحدهما قاضي، والآخر دكتور قانون، وكان نائب رئيس مجلس حقوق الإنسان، وهي مفارقة غريبة، أن تختزل قضية مبارك وأهل الفساد في مصر، في السرقة للمال العام، ونهب ثروات البلاد. أين تطبيق القانون الذي جلست على منصته، ولا نشك في إخلاصك، ونزاهتك، وأنا أعلم أن دافعك هو الرحمة، ولكن هل ترى الرحمة هنا موضعها مناسب لشخص المذنب السيد محمد حسني مبارك، هو الآن مجرد مواطن اقترف جرما وهو يحاسب عليه. ثم أين حق الفرد في وصول حقه إليه، ومحاكمة ظالمه، ورد الحق للمظلوم، وأين حق الدولة، فعندما يعتدي إنسان على إنسان، ويصل الأمر إلى النيابة والمحكمة، ويتنازل فرد عن حقه، يخلى سبيل المذنب، إذا لم يقترن جرمه بحق من حقوق المجتمع والدولة، وأسأل سعادة المستشار، والدكتور أبو المجد، هل خلت أي جريمة من جرائم مبارك ونظامه، من التعدي على حقوق الأفراد، والمجتمع والدولة؟! هذه الدعوة رغم تقديري لأصحابها فيها إهدار للشرع، وإهدار للقانون، وافتئات على حقوق الغير، ففيها إهدار للشرع، لأن الشرع الحنيف الذي وضعه الله عز وجل، شرع عادل حكيم، فمع الرحمة التي تطالبون بها، فهي رحمة تطلب ولكن في موضعها، ووضع الرحمة والرفق في غير موضعه ظلم، وينافي العدل الذي أمر به الله، والعدل هنا: أن يحاكم كل مجرم بالحق. وفيها إهدار للقانون، لأن القانون لا يفرق بين رئيس ومواطن عادي، فالكل سواسية أمام القضاء، ولو ترخصنا وتساهلنا مع أحد لصارت تكأة لكل إنسان، وموقفا يستند إليه كل مجرم، يريد النجاة من العقاب. وإهدار لحقوق الأفراد، لأن المخول بالعفو في قضايا الدماء والتعدي، هو صاحب القضية نفسه، ليس هناك إنسان موكل بالنيابة عنه، أما حقوق الشعب العامة المهدرة، فيمكن إجراء استفتاء لذلك، يعفو فيه الشعب عن فترة الاستبداد لمدة ثلاثين عاما، وما صاحبها من تخلف وتعدي على حقوق الشعب المعنوية، فإن نال الاستفتاء إجماعا من الجميع يسقط هذا الحق، لكن يبقى حق الأفراد في قتل أبناءهم وبناتهم، فهم أولياء الدم الذين يملكون فقط حق العفو، أو طلب القصاص العادل. أعتقد لو أن المنادين بالعفو عن مبارك، لهم ابن أو ابنة اعتدى عليه أمن الدولة المصري، ما نادوا بهذه الدعوة، أريد من كل من ينادي بالعفو عن مبارك، أن يتخيل أن أمه أو أخته كانت ضمن النساء اللائي تحرش بهن الأمن في شارع رمسيس العام، أشهر شوارع مصر، وقت الاستفتاء على تعديل المادة (76)، هل يقبل بالعفو عن ضابط أو مسؤول أمني فعل ذلك بمحارمه؟ وهل يقبل بأن يكون له ابن أو أخ، ينتهك عرضه، ويعتدى عليه؟ وهل يقبل هؤلاء العفو عن كل المسجونين على ذمة قضايا الفساد، وقضايا البلطجة، بأن يقف بلطجي فقأ عين إنسان، أو أحدث عاهة مستديمة لأحد الشباب، ثم يقول: سامحوني أنا أخطأت، نعفو، هذا منطق الكيل بمكيالين، والتفريق بين المواطنين في التعامل، فما مبارك إلا مواطن، ولكنه مواطن أخطأ في حق شعب بأكمله، كما أخطأ في حق وطن كبير هو مصر. يتعلل البعض بأن مبارك له تاريخ فيه الخير والشر، ونحن لا نختلف مع أحد، أن لكل إنسان في حياته من الخير والشر، ولكن هل يعفيه خيره إن وجد أن يحاسب على أخطائه في حق غيره؟ إن مجاهدا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخل النار، وعذب بها، وهو مجاهد، لأجل (شملة) قطعة قماش، سرقها من الغنائم قبل أن يعطيها له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربما كانت من نصيبه عند توزيع الغنائم، قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشملة التي اشتملها لتشتعل عليه نارا في جهنم". فما بالنا بمن سرق شعبا بأكمله، ودولة بخيراتها، وسرق أكثر من ذلك أحلام الشباب، وأمن المواطن، وراحته، وتقدم وطن كان الأول في العالم العربي والإسلامي، ليصبح في ذيل القافلة. إن الجرم والذنب يفقد صاحب الهيبة هيبته، ويفقده ما لديه، لأنه يتجرد من كل هذا أمام القضاء والقانون، وفي هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها" ولم يقل فاطمة بنت رسول الله، لأن جرم السرقة يحرمها من هذا الشرف وقت تنفيذ العقوبة، ولم يقل لقطع رسول الله يدها، بل قال محمد، بوصفه رئيس الدولة والقاضي المنفذ حتى لا تدفعه عاطفة الأبوة إلى تجاهل الحكم عليها، أو الرفق بها، في موضع ليس مطلوبا فيه الرفق. يا سعادة المستشار مكي، ويا سعادة الدكتور أبو المجد: عفو الناس يكون فيما لم يصل للقانون، وفيما لم يصل لولي الأمر المنوط به تنفيذ الأحكام، كما قال صلى الله عليه وسلم: "تعافوا الحدود بينكم" وأن ما يصله لا يملك لا الحاكم ولا الناس العفو عمن وصل أمره للقضاء. يا سادة: اتركوا القانون يأخذ مجراه، وليحكم عليه بما يحكم، أما مال مصر المنهوب، فهو حق سيسترد وليس منة من مبارك ولا حرمه، ولا لصوصه أن يردوه، ونقول لهم بعد رده: هيه برافو ونصفق، وكأنهم قاموا بعمل خير، هذه توبة كانت تقبل لو كانت قبل سقوطه، لكن هنا بيننا وبينه القانون، وبالحق، وبما يرضي الله عز وجل، نسلم معه جميعا بحكم الله الحق، الذي لا نريد فيه ظلما ولا جورا. [email protected]