نهنئ أولا مصر.. مصر الوطن لأنه قد جاء اليوم الذى يسمح فيه بنشر هذا المقال دون خوف أو وجل من عواقب نشره، ونهنئ الشعب المصرى الذى استطاع أخيرا أن يختار رئيسا منه، واحدا من الناس، ابنا من أبناء الشعب دون أن تكون خلفه مؤسسة سيادية كبرى تدعمه بل تفرضه على الشعب فرضا، فهو أول رئيس مصرى فى مصر الحرية، مصر الثورة، ولن أقول أول رئيس فى الجمهورية الثانية، بل أقول أول رئيس فى الجمهورية الديمقراطية الحقيقية، نهنئ أنفسنا أننا كشعب مصر الأصيل الحر الواعى استطعنا أخيرا أن نفرض إرادتنا وأن نعبر باختيارنا عتبات قصر الحكم فى دولتنا المحورية العريقة!!!! ولست واثقا بعد ذلك أنه يمكننا أن نهنئ السيد الدكتور محمد مرسى أول رئيس منتخب انتخابا حقيقيا فى مصر، فأظن أن الأمر أكبر من أى تهنئة، بل أظن أن الرجل يحتاج الآن إلى شىء آخر من قبيل الدعاء والابتهال إلى الله تعالى بالعون والتوفيق والسداد، كما يحتاج منا إلى نوع من التلاحم والتكاتف، والتناصح.. سيدى الرئيس دعنى أصارحك لا أن أهنئك فى هذا العالم تحدث معجزات.. مازالت تحدث معجزات.. منذ ثورة ( 25 ) يناير ونحن نرى آيات الله البينات تتحقق، فها نحن نقف فى خشوع أمام قوله تعالى (قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير) .. وقبل هذا التاريخ لم يكن فى أكثر أحلامنا إشراقا وتفاؤلا يمكن لنا أن نرى أمثال الدكتور محمد مرسى من الشخصيات المعارضة يتحدث فى برنامج حوارى فى التلفزيون الرسمى المصرى فضلا عن أن نحلم أن يصبح مثله رئيسا للجمهورية!! لكنها آيات الله البينات!! سيدى الرئيس.. دعنى أقول لك شيئا أرجو من الله تعالى أن ندخل به أنا وأنت سويا التاريخ المعاصر كما دخلت به من قبل السيدة خولة وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب تاريخ البشرية على مر العصور، فأقول لك لقد نشأتَ فى قريتك طفلا صغيرا – ربما دللوك بحمادة – فلاح بن فلاح، قبل أن تجتهد فى دراستك لتصبح مهندسا ثم أستاذا جامعيا، ثم ناشطا سياسيا وعضوا فى جماعة الإخوان المسلمين تحضر لقاءات أسرتك على مائدة القرآن الكريم والحديث النبوى الشريف تستمع لإخوانك وتنزل على رأيهم، وتحضر كتيبتك وأنت صائم فتفطر مع هؤلاء البسطاء على طبق من الفول بالزيت وقليل من الخبز وأنت تجلس معهم على الأرض، ثم سجنت واعتقلت مرات فكنت سجينا سياسيا، وخضت الانتخابات البرلمانية فزورت ضدك مرة، ثم فزت بالعضوية مرة، ثم زورت ضدك الثانية، تذكر يا دكتور مرسى، بل سأقولها لك لله وللتاريخ وللوطن، سأقولها رغم فارق السن والمكانة العلمية بيننا، كما كان يقولها لك جميع إخوانك حتى عصر الأمس: يا أخ مرسى.. أقولها لك وأنا موقن أنه أحب الألقاب إلى قلبك، (يا أخ مرسى) وهو اللقب الأحب إليك من دكتور مرسى، أو البرلمانى مرسى أو سيدى الرئيس!! ها أنت الآن رغم كونك تلقب بسيدى الرئيس إلا أنك ستبقى لنا دائما الأخ محمد مرسى ابن هذا الشعب الأصيل وابن هذه الدعوة التى تخرج النماذج الفذة فى تواضعهم وبساطتهم وعاطفتهم الجياشة لأوطانهم وشعوبهم.. فلا تنسَ سيدى الرئيس وأنت تدخل قصر الرئاسة أنك الفلاح بن الفلاح بن الفلاح.. وأنك واحد من ناس مصر ومن شعبها الطيب الأبى الكريم الذى يعتز من ينتسب إليه بعد الاعتزاز بالانتماء إلى الله تعالى عبودية وخضوعا وإخباتا.. سيدى الرئيس أقولها لقد سقطت إلى الأبد هتافات من نوع (بالروح والدم نفديك يا رئيس) بل سنهتف من الأعماق صادقين (بالروح والدم نفديك يا وطن) (بالروح والدم نفديك يا شهيد) الشهيد الذى وصل بمصرنا الحبيبة إلى ما وصلت إليه اليوم من كرامة وحرية وعلى مشارف العدالة الاجتماعية إن شاء الله تعالى.. هذا الشهيد الذى جاء بك على عتبات القصر.. سيدى الرئيس لقد سقطت إلى الأبد أسطورة الرئيس الملهم والزعيم الفذ.. وحلت محلها مؤسسة الرئاسة والفريق الرئاسى، وأصارحك القول أننى كنت من الناعين عليك يوم ترشحك للرئاسة كونك مرشح بلا كاريزما، فإذا بهذه النقيصة وقد أصبحت من أهم مميزاتك اليوم، فنحن نريد رئيسا مؤسسيا ولا نريد زعيما فذا، يعطى التوجيهات والأوامر، بل رئيسا يسمع ويُسمع، يشاور ونشير عليه.. فهنيئا لك بساطتك وتواضعك.. سيدى الرئيس.. أقولها لك احتراما لعرف عام، غير أن المقام لم يعد مقام سيادة للرئيس، فإن السيادة هى للشعب البطل الحر الأبى الكريم وحده، السيادة للشهداء والمصابين وذويهم، أما أنت سيدى فلقد جئت موظفا ومديرا لإدارة شئون العباد والبلاد، تقولونها تواضعا، جئت خادما.. ونقولها لك، صدقا واقتناعا، بل جئت مديرا للإدارة، ولست مالك الدولة، فإن مالك الدولة ومصدر سيادتها هو هذا الشعب الذى اختارك لتدير لا لتنفرد، لتعمل وتؤسس، لا لتسود وتعلو.. سيدى الرئيس وقبل أن تخطو بقدميك عتبات القصر الجمهورى، أبشرك بأنك تحمل أسباب النجاح والتوفيق الهائل جميعا، وأن أهم هذه العوامل على الإطلاق أنك ابن هذا الشعب، فلا تجعل بينك وبينه حجاب، ولا تمنع نفسك عنه، ولا تجعل رجال المؤسسة الأمنية يضعوا الحواجز بينك وبين الناس، فهذا الشعب الذى نزل بكل فئاته إلى الشوارع يحتفل ليلة أمس بحب وفرحة حقيقية تطل من القلوب قبل الوجوه والعيون والحناجر، لن يفكر سوى فى حمايتك لأنك منه، وهم منك، كما أن من عوامل نجاحك بساطتك وتلقائيتك فلا تجعل المحيطين بك يعملون على تغييرها وتزييفها، واحرص على البطانة الصالحة ولن تجد أصلح بطانة من عامة الشعب.. ولا تنسَ أن من أهم عوامل نجاحك إفطارك يوم صومك على طبق فول بالزيت وأنت تجلس على الأرض بين إخوانك وأحبابك ومواطنيك.. أملى أن تتناول بعض إفطاراتك فى شهر رمضان المقبل على هذا النحو فى ميادين الحسين وفى الزقازيق وفى ميدان التحرير وفى ميادين مدن مصر المختلفة.. كن يا أخ مرسى كما كنت دائما قبل عصر الأمس واحدا من الناس، وثق أننا جميعا أن ناس مصر جميعا سوف يكونون أحرص حتى منك شخصيا على نجاحك، لأنهم بذلك يحرصون على نجاحهم هم، نجاح واحد منهم وابنا من أبنائهم، التحم بالناس، بالناس البسطاء الفقراء، الفلاحين والعمال والبائعين والأرامل، كن منهم يكونوا لك عونا على عون.. انزل إلى الأسواق وامشِ بين الناس كما كان يمشى بينهم سيدك وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وزر الأحياء الشعبية والمناطق العشوائية بلا ضجيج ولا حراسة ولا موكب.. فهؤلاء هم إخوانك ورجلاك وشعبك ومواطنيك.. وسأعدك أخيرا أنا بصفتى واحد من الشعب أنك إن فعلت، فلن نهتف لك نفديك بالروح والدم، وإنما سنفعل ذلك حتما بلا هتاف، لأننا بذلك نفدى أنفسنا وأبناءنا والأحباء علينا سنفديك سيدى الرئيس سأقولها لك أخيرا لقد جاء اليوم الذى نقول فيه لرئيس مصر صادقين: نحن نحبك فى الله يا أخ مرسى!!