أن يقع الشباب الذى تجمع فى ميدان التحرير فى خطأ الاحتجاج على حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان قانون انتخاب مجلس الشعب، وبالتالى بطلان مجلس الشعب ويطالبون بإلغاء الحكم «!»، فهو أمر مفهوم نتيجة لنقص الثقافة القانونية والسياسية بصورة عامة فى مصر وبشكل خاص بين الشباب وبعض قيادات الحركات الاحتجاجية.. ولكن أن يتورط أعضاء فى مجلس الشعب «المنحل» وقضاة سابقون ورجال قانون وساسة وقيادات حزبية فى رفض حكم المحكمة الدستورية العليا، وهو حكم نهائى وبات ولا يجوز الطعن عليه وصادر من أعلى هيئة قضائية فى مصر.. فهو أمر بالغ الخطورة وخطيئة لا يمكن قبولها. لقد انتهت المحكمة الدستورية فى حكمها إلى عدم دستورية التعديلات التى أدخلت على المرسوم بقانون رقم 120 لسنة 2011 الخاص بانتخابات مجلس الشعب والشورى بالمرسوم بقانون رقم 108 لسنة 2011 والمرسوم بقانون رقم 123 لسنة 2011 التى أدت إلى تقسيم مقاعد مجلس الشعب إلى ثلثين للقوائم النسبية الحزبية وثلث للمقاعد الفردية، والسماح للحزبيين بالترشح على المقاعد الفردية.. واستندت المحكمة فى حكمها إلى مخالفة ذلك لنص المادة 38 من الإعلان الدستورى والإخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين.. وقالت المحكمة فى حيثياتها إن «العوار الدستورى الذى أصاب النصوص المطعون فيها يمتد للنظام الانتخابى الذى سنه المشرع بأكمله، سواء فى نسبة الثلثين المخصصة لنظام القوائم الحزبية المغلقة أو نسبة الثلث المخصص للنظام الفردى.. وأن تقرير مزاحمة المرشحين عن الأحزاب للمستقلين فى النظام الفردى كان له أثره وانعكاسه الأكيد والمتبادل مع نسبة الثلثين المخصصة للقوائم، إذ لولا مزاحمة المرشحين عن الأحزاب للمستقلين فى الثلث الباقى لحدثت إعادة ترتيب داخل القوائم بمراعاة الأولويات المقررة داخل كل حزب. ولم يكن الحكم مفاجأة؛ فالذين صاغوا التعديل وطرحوه للنقاش كانوا على يقين بعدم دستوريته، فقد نبههم لذلك أحزاب سياسية ورجال قانون دستورى وكتاب صحفيون -وأنا منهم- إضافة إلى سابق الحكم بعدم دستورية القانون الذى تم على أساسه انتخاب مجلس الشعب 1987 والصادر عام 1990، وتكاد حيثياته تنطبق نصا على القانون الذى تم على أساسه انتخابات مجلس الشعب الحالى! ولكن يبدو أن أعضاء اللجنة التشريعية فى مجلس الشعب المنحل، ورئيسهم المستشار السابق محمود الخضيرى أصابتهم نازلة أو كانوا فى «غيبوبة» عندما تداعوا للاجتماع رغم حل المجلس وفقدانهم أى صفة لينتهوا إلى أن حكم المحكمة الدستورية العليا منعدم الآثر قانونا، وبمثابة تعدٍ مادى على كيان المجلس المنتخب من خلال انتخابات حرة نزيهة، ويطالبون رئيس مجلس الشعب المنحل بإقامة دعوى مخاصمة ضد الهيئة التى أصدرت الحكم، وإقامة دعوى وقف تنفيذ، وإلغاء قرار رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بشأن المجلس «فى إشارة لرسالة المشير التى تضمنت حكم المحكمة الدستورية العليا». كان واضحا أن الأغلبية المهيمنة على مجلس الشعب أصابها حالة من الجنون والتخبط، وقررت الانقلاب على الشرعية الدستورية والقانونية. وامتد هذا الانقلاب إلى دعوة الجمعية التأسيسية «الثانية» التى شكلها الاجتماع المشترك للأعضاء المنتخبين فى مجلس الشعب والشورى للاجتماع، وانتخابها المستشار حسام الغريانى رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيسا لها.. إلخ، رغم أن تشكيل الجمعية التأسيسية باطل لوجود نفس العوار الذى أدى إلى بطلان الجمعية التأسيسية «الأولى» وحلها بحكم من محكمة القضاء الإدارى، ومطروح عليها دعوى بحل الجمعية التأسيسية «الثانية» لنفس الأسباب. وعلى الانقلابيين أن يدركوا -قبل فوات الأوان- أن كارثة الانقلاب على الشرعية إن حققت لهم مصلحة آنية، فستصيبهم غدا بكرب وضرر عظيم.