فى مناقشة مع أحد المتطرفين حاولت أن أقرب له فكرة التعامل مع الآخر المتقدم الذى يملأ الدنيا حضارة ويقدم لنا إنجازاته العلمية التى تجعل حياتنا أكثر بساطة وإنسانية فماذا كان رده لا فض فوه.. قال إن هؤلاء جميعا سخرهم ربنا لكى يتعبوا وينجزوا ونستمتع نحن بعائد جهدهم «على الجاهز» دون أى أى معاناة وأى إسهام فى صنع هذه الحضارة وقد علق أحد الأصدقاء على هذا الرأى الذى يمثل قمة التنطع بقول طريف: هذا حديث القمل فهو يظن أن الله هو من منحه فروة الرأس الموبوءة لكى يلتصق بها ماصا لدمائها لكى يستمر فى الحياة دون أى جهد فى صنعها. هذا ما أحس به يحدث فى مصر الآن.. قوى تنتظر فرصتها لتقفز على مستقبل الوطن بعد أن ينجر الجميع لها كل شىء.. معركة مع قوى الفساد.. معركة مع العسكر.. معركة مع المتشككين.. تتعدد المعارك وتهرق الدماء وهم يديرون «الحملة» بما يناسب هذا التسخير. الأحكام الأخيرة فرصة ذهبية ظنوها واجبة الاقتناص للعودة - أو التظاهر بذلك - لجماهير الشعب الذين تخلوا عنهم ونعتوهم بأبشع الصفات.. منتظرين لحظة «التمكين» لكى يعودوا إلى أدبياتهم «التى لم يغيروها ولم يعتذروا عنها» المحتكرة للحقيقة والنافية للآخر لدرجة أن مرشحهم «المعتدل» وصف قتلة الأطفال ومستحلى أموال الأقباط ونسائهم وأرواحهم «بالإخوة الكرام» الذين عادوا إلى الطريق «الصحيح» الذى هو محاولة القفز على السلطة بغزوة الصناديق فإن لم يستطيعوا فهى العودة «للجهاد» المسلح حتى يسود «شرعهم» الذى أقنعوا أنفسهم ويحاولون إقناع الدنيا بأنه شرع الله الذى لا تبديل له ولا تفاعل مع واقع أو حدث أو تاريخ أو جغرافيا. يحاولون الآن أن يستغلوا أزمة الضمير التى تملأ وجدان المصريين بعدم القدرة على التصويت لرموز نظام أسقطوه بدفع الناس للتصويت لأبشع الفاشيات وهى الفاشية التى تدعى الحديث باسم الله جل شأنه وأن مخالفيها كفار لا مكان لهم إلا النار. الرأى أن نعرض عليهم خيارنا الأخير.. أنجزوا أمر الدستور كما توافق عليه الشعب والثوار.. وشكلوا المجلس الرئاسى الذى يطمئن معه الشعب قليلا إلى إنهاء فكرة الاحتكار.. وأعلنوا صراحة عدم التحالف مع مكفرى البشر ودعاة تقطيع الأجساد وإلغاء الحداثة وكارهى العلم والتقدم الإنسانى.. عندما يفعلون هذه الأشياء سوف نصدقهم - مؤقتا - ولكنهم لن يفعلوا.. لن ينجزوا شيئا سوى المراوغة وتفويت الوقت والنفاق حتى لحظة «التمكين».. عادتهم لن يشتروها.. لن يتعلموا من التاريخ القريب كما لم يتعلموا من التاريخ البعيد.. فهل نتعلم نحن؟!