"طول ما أنت عايز تعمل حاجة وعندك طموح متوقفش" تلك الكلمات الرنانة هى المنهج الأول فى حياة مها رزق، أخصائية العلاج الوظيفى بمركز ذوى الاحتياجات الخاصة بجامعة عين شمس، والتى بدأت حديثها قائلة "رغم إننى حصلت على الثانوية العامة بمجموع كبير يؤهلنى للالتحاق بكليات القمة، إلا إننى فضلت الالتحاق بخدمة اجتماعية جامعة حلوان، وحصلت على البكالوريوس الذى يؤهلنى للعمل كأخصائى اجتماعى فى أحد المدارس أو فى دار أيتام، وحصلت على دبلومة عام تربوى، ودورات تدريبية فى الاوتيزم والمهارات الاجتماعية، وكذلك فى التخاطب، وفى الطب النفسى للأطفال المتأخرين عقليا، حتى يمكننى العمل كأخصائى علاج وظيفى والتعامل مع الأطفال من ذوى الاحتياجات الخاصة". بدأت مها العمل مع الأطفال المعاقين عندما التحقت بالعمل الخيرى من خلال مؤسسة "الصرخة للصم وذوى الاحتياجات الخاصة، والتى تجاورها فى السكن فى شبرا، وكان هذا الاختيار بمحض إرادتها، حيث فضلت الذوبان فى هذه الفئة من الأطفال التى تحتاج إلى عقل وقلب يستوعبها، وكانت قدرات مها التى حباها الله بها كفيلة أن تحبب فيها أطفال المؤسسة، إلى الحد الذى بلغ أنهم علموها لغة الإشارة الخاصة بهم، فهى اللغة التى تتسم بالخصوصية للصم، ولأنهم أحسوا بأنها سوف تأخذ بأيديهم، وهذا بعد أن اجتازت امتحان عقده أطفال المؤسسة لها عندما سألها أحدهم، هل يمكن أن ترتبطى بشخص أصم، والحمد لله كانت الإجابة مريحة لهم، حيث استطاعت أن تجيب بكل دبلوماسية، حيث كانت الإجابة "أنا لسة فى الدراسة ولا أفكر فى هذا الموضوع الآن، ولكن لو حدث يوما ما بينى وبين شخص أصم ارتياح وتفاهم عال لن أتردد فى قبوله كزوج". وإن كانت تلك الإجابة مرهونة بلفظ " لو" وهى تدل على الامتناع، لأن وجود درجة عالية من التفاهم لن يتأتى فى ظل اختلاف البيئة والتفكير الذى يشوبه حلقة مفقودة، وتظل السلسلة ناقصة الحلقات ولن تكتمل، حيث إن الأصم تحديدا ينبغى أن يختار شريك الحياة أصم مثله لوجود أرضية مشتركة فى الحوار ولغة الإشارة التى لا تستشعرها إلا تلك الفئة تحديدا، وفى العموم الإعاقة لن تكون هى السبب، والارتباط بشخص لديه إعاقة ليس مفترق طرق، فقد يمتلك مقومات ناجحة لأن يكون شريك حياة ويعوض ما افتقده، وهذا ما يفتقده بعض الأشخاص الأسوياء فى البنية الجسمانية والعقلية، ولكنهم يعانون من إعاقة فى التفكير تفوق بكثير تلك الإعاقات البدنية، فمنهم من يتصف بالازدواجية فى الحكم على الأشياء أو التفكير بسطحية. ولشدة عشق مها للأطفال فضلت أن تقدم لهم المساعدة الإيجابية، وتعليمهم المهارات الحياتية بدلا من الإشفاق عليهم بما لا يجدى نفعا، وتقول: تعاملى مع الأطفال نعمة أحسد عليها، وقد ألفت أن يكون أول لقاء بينى وبينهم هو لقاء يوطد الحب بيننا حتى إذا لم أشرح أى شىء فى هذا اليوم، وأصارح الأهل بما أفعله، وبعد ذلك أقوم بجلسات العلاج التى تتسم بالحب والمودة، وأعمل جاهدة لتقوية العلاقة بيننا وأقوم بتقديم هدايا للأطفال، ومهما طالت جلسات العلاج عددا ووقتا، فكلها تهدف إلى تعويد الطفل على المهارات الحياتية والتكيف مع المجتمع، ويتبقى دور الأهل وهو الأهم والذى يدعم تلك التمرينات التى يخضع لها أبناؤهم، حيث إن معظم الوقت يقضيه الطفل بين أبويه، والأم هى أول من يلاحظ أى تغيرات تطرأ على صغيرها، والأسرة التى تتابع ابنها هى التى تأخذ بيديه ويمكنها أن تجتاز به المحنة وتدمجه فى المجتمع قدر الاستطاعة وتهيئ له المناخ المناسب. مها لم تتوقف عن التدريب، ودائما تلتحق بدورات تدريبية لتحسين مستوى تعاملها مع الأطفال، بل إنها أصبحت مدربة تلقى محاضرات فى جمعيات خيرية تهتم بشئون المعاقين، وتقول لا أتصور نفسى بعيدا عن الأطفال المعاقين الذين أمد لهم يد المساعدة، وإن كانت الدراسات العلمية توصى بتغيير مجال التعامل مع الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة بعد 10 سنوات حتى لا يصاب المدرب بأمراض نفسية، يعنى " أنا باقى لى 5 سنوات أقضيهم مع أحبتى".