تقف اليوم مصر الثورة موقفا خطيرا يحكمه مع ذلك المنطق البسيط إلى حد بعيد، عدو الثورة واضح وهو من كان المسؤول الأول وقت معركة الجمل وتقف وراءه اليوم قواعد الحزب الوطنى التى عادت للنشاط مجددا فى كل مدينة وقرية. احتشد خلف المرشح لخلافة مبارك كل من استفاد من النظام البائد وكل من سلم عقله لحملة أطلقها هذا النظام، الذى لم يسقط، منذ ما قبل الثورة ولم تتوقف رافعة شعار «نحن أو الفوضى».. احتشد هؤلاء أمام كل من تعاطف مع الثورة فحصدوا ربع الأصوات، الأغلبية واضحة فى صف أهداف الثورة، ولكن مأزقها أيضا واضح وهو التشرذم. عدونا اليوم يمثل رأس الحربة فى استمرار نظام يحتكر الحكم على مدى ستين عاما مضت ولا يسمح برئيس إلا من تحت جناحه ومن زمرته. لم يكن من الممكن استمرار هذا النظام الاحتكارى بدون قيام الدولة العميقة التى يظهر منها للشعب، صاحب الحق فى أن يكون مصدر السلطات بها، إلا أقل القليل. دولة بها مؤسسة تحتكر الحكم، تسيطر بأدواتها على كل التفاصيل وتخطط ليل نهار لحفظ التوازنات التى تكفل استمرار هذا الاحتكار، تظهر هذه المؤسسة للشعب كجبل الجليد يرى منه على السطح الجزء اليسير بينما يكتنف جسمه المؤثر الغموض. قامت الثورة لتنهى احتكار الحكم وتعيده إلى الشعب وتنهى أسطورة الدولة العميقة التى تقوم على آليات أمنية ومخابراتية تفرز الزمرة التى تحتكر الحكم من أهل الثقة، لقد كان احتكار الحكم هو دائما قدس الأقداس الذى بذل فيه الغالى والنفيس على مر الستين عاما الماضية، وها نحن نشهد الحلقة الأحدث فى مسلسل الدهاء. قامت الثورة وشارك فيها ما قدر بعشرين مليونا من المصريين ومازال يؤيدها ثلاثة أرباع الناخبين، ومع هذا التأييد الشعبى الجارف لم تفقد أدوات الدولة العميقة الأمل منذ اليوم الأول فى قلب الأوضاع ثانية، وإعادة الأمور تحت السيطرة كما كان التكليف الصادر منذ بداية الثورة. اليوم يأتى من كان محط ثقة الرئيس المخلوع ليتحدى الثورة فى أعز ما سعت إليه وهو كسر احتكار الحكم وإعادة الدولة للشعب ليكون هو المصدر الحقيقى للسلطات. احتكار الحكم هو طعن للديمقراطية فى القلب واستمرار الدولة العميقة هو إقصاء للشعب عن حقه فيها وعودة حليف مبارك هى أكبر إهانة للثورة.