مع انطلاق الانتخابات الرئاسية دخلت مصر مرحلة جديدة من الفترة الانتقالية، حيث بنهاية هذا الشهر – إذا فاز أحد المرشحين من الجولة الأولى - ستتضح ملامح مؤسسة الرئاسة المصرية وستنتهى ضبابية المشهد السياسى، وستنسحب المؤسسة العسكرية خلف الكواليس وتعود إلى ثكناتها على حسب الجدول الزمنى المعدل الذى وضعة قادة العسكرى، حيث طبقا للمادة 60 من الإعلان الدستورى يستمر المجلس العسكرى فى مباشرة الاختصاصات المحددة له وحتى تولى مجلسى الشعب والشورى لاختصاصهما وانتخاب رئيس الجمهورية ومباشرته لمهام منصبه. إن عددا من استطلاعات الرأى طبقا لما نشرته مؤسسة كارينجى للسلام الدولى تشير إلى أن احتمالات الفوز ستكون بين ثلاثة من المرشحين وهم السيد عمرو موسى وزير الخارجية والأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح القيادى السابق بجماعة الإخوان المسلمين والدكتور محمد مرسى مرشح جماعة الإخوان المسلمين، وذلك لأن السيد عمرو موسى يستطيع أن يجمع أصوات العلمانيين وأصوات الكنسية المصرية والكتلة القبطية نظرا لإيمانه بمبادئ الحرية والمواطنة والدولة المدنية، بينما الدكتور أبو الفتوح والذى من وجهة نظرى يعتبر المرشح التوافقى الوسطى من بين المرشحين الثلاثة لأنه يؤمن بمدنية الدولة ومبادئ المواطنة وفى نفس الوقت يعتمد على مرجعيته الإسلامية، ونظرا لأنه اتجه بقوة نحو الوسط السياسى المصرى سواء كانت القوى الليبرالية واليسارية، وبجانب اعتماده على دعم القوى الثورية وشباب الثورة، وزادت فرص نجاحه بسبب دعم حزب النور والتيار السلفى وحزب الوسط لبرنامجه، أما الدكتور محمد مرسى المرشح الاحتياطى لجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة والذى يعتمد على الأرضية الموجود للجماعة فى الشارع المصرى وحشد الإخوان الآلاف المؤيدين لهم من خلال المؤتمرات الشعبية التى ينظموها فى كافة محافظات مصر واستخدام أساليب استعراض القوى كاستخدام السلاسل البشرية على طول كورنيش النيل وعلى طول الإسكندرية إلى أسوان مرورا بالقاهرة. وبعيدا عن من سيحسم الانتخابات الرئاسية سيبقى الدستور والجمعية التأسيسية له محلا للصراع بين المؤسسة البرلمانية وأغلبيتها جماعة الإخوان وبين كافة القوى السياسية فى مصر، بل زاد الطين بله بأن تدخل المؤسسة العسكرية والرئاسية فى الصراع حول صلاحيات الرئيس ووضع الجيش فى الدستور. إن الخلطة السرية التى وضعها الدكتور طارق البشرى الفقيه الدستورى ومهندس التعديلات الدستورية والتى صممها بحيث يوضع الدستور بعيدا عن حكم العسكر وبين يدى مؤسسات شرعية منتخبة من الشعب وضعتنا جميعا فى مأزق المصيدة الانتقالية حيث فى ظل وجود برلمان منتخب من الشعب لم نصل إلى التوافق حول اللجنة التأسيسية لوضع الدستور فكيف فى ظل وجود رئيس غير محدد الصلاحيات ؟! لقد شردت بذهنى إلى ما بعد يونيو 2012 حيث الرئيس المصرى داخل القصر الجمهورى سيبدأ الآن ممارسته مهام منصبه لا يدرى هل سيحكم طبقا للإعلان الدستور المشوه، وطبقا للنظام الرئاسى والذى يجعل المؤسسة الرئاسية موازية للمؤسسة البرلمانية أم طبقا لنظام مختلط والذى سيسحب معظم صلاحيات الرئيس القادم لصالح رئيس الوزارة الممثل لأغلبيته البرلمان. هل سيقوم الرئيس القادم بإقالة حكومة الجنزورى وإعفائهم من مناصبهم وتعيين مجلس الوزراء مؤقت حتى يتم الانتهاء من وضع صلاحيات المؤسسات السياسية للدولة وشكل نظام الحكم فى الدستور الجديد ؟! إن المجلس العسكرى بسبب سوء تصميم المرحلة الانتقالية نجح فى خلق حالة من عدم الاستقرار السياسى فور انتهاء الانتخابات الرئاسية، حيث تسبب فى توريط رئيس الجمهورية القادم فى الصراعات حول تشكيل اللجنة التأسيسية وصياغة الدستور الجديد، وبدلا من أن يبدأ الرئيس تنفيذ برنامجه الانتخابى فى ظل دستور دائم وبرلمان منتخب، سيدخل فى مأزق يمكن أن يؤدى إلى استنزاف رصيده الشعبى قبل أن يبدأ ممارسة مهامه الرئاسية، فى كيفية الوصول إلى التوافق بين كافة القوى الليبرالية والإسلامية وممثلى هيئات ومؤسسات الدولة للانتهاء بالدستور بشكل يرضى جميع الأطراف. وفى النهاية يجب أن نسرع فى إنهاء تشكيل المنظومة السياسية بمعالجة التشوه والعبث الدستورى الذى تعيشه الدولة المصرية إلى التوافق حول تشكيل اللجنة التأسيسية والشروع فى صياغة دستور جديد للبلاد لانتشال البلاد من الفوضى والبدء فى بناء الوطن وكفانا عبثا بمصير ومقدرات مصر ! ومصر من وراء القصد .