محافظ الدقهلية: نظافة الشارع أحد المعايير الأساسية لتقيم اداء الجهاز التنفيذي    إعلام عبري: زوجة نتنياهو هي العقبة الوحيدة أمام توقيع الاتفاق بينه وبين ساعر لتولي الدفاع    الخطيب: الذكاء الاصطناعي يحل أزمة الأهلي مع كولر    محافظ قنا يشهد فاعليات اختبارات الموسم الثالث لمشروع كابيتانو مصر    نجاد البرعي: مشروع قانون الإجراءات الجنائية كان يستحق مناقشات أكثر    سمير عمر وجون طلعت يعزيان الكاتب الصحفي عبدالرحيم علي في وفاة والدته    مدرب شتوتجارت: مواجهة ريال مدريد فى أبطال أوروبا أكبر تحدى لنا    استمرار عمليات الإجلاء في وسط أوروبا بسبب العاصفة "بوريس"    إثيوبيا تغلق باب الحوار، تصريح مستفز لنظام آبى حمد حول سد النهضة    توقيع عقود الشراكة بين الأهلي و«سبشيال جروب» لتطبيقات الذكاء الاصطناعي الطبي والرياضي    تعرف على فقرات حفل افتتاح بطولة العالم لكرة اليد للكراسى المتحركة    أول تعليق من فينيسيوس بعد تسلم جائزة أفضل لاعب في دوري الابطال    تغطية خاصة بعد إخلاء السبيل .. شخصيات دعمت أحمد فتوح .. وتواريخ لن ينساها في محبسه    بالأسماء.. إصابة 3 أشخاص إثر حادث تصادم سيارة وموتوسيكل بالشيخ زايد    ما عقوبات جرائم خيانة الأمانة والاحتيال للاستيلاء على ثروات الغير؟    إنطلاقة قوية لمسلسل "برغم القانون".. وإيمان العاصى تقدم أداء استثنائيا    فصائل عراقية تستهدف موقعا إسرائيليا في غور الأردن بالأراضي المحتلة    «الإفتاء«: قراءة القرآن مصحوبة بالآلات الموسيقية والتغني به مٌحرم شرعًا    سريع الانتشار.. 6 نصائح لتجنب الإصابة بمتحور كورونا الجديد «XEC»    سهرة شاذة وتعذيب حتى الموت.. أسرار مقتل مسن داخل كمبوند بحدائق أكتوبر    حسام موافي يحذر من فقدان الشهية: هذا العضو قد يكون مريضًا    بالتواصل الفعال والحزم، قواعد تربية الأطفال بالحب    محافظ الدقهلية يفتتح تجديدات مدرسة عمر بن عبدالعزيز بالمنصورة بتكلفة 2.5 مليون جنيه    شيخ الأزهر يطالب بالتضامن مع غزة انطلاقا من صلة الدم والرحم والمصير المشترك    وحدة الرسالة الإلهية.. شيخ الأزهر يؤكد عدم جواز المفاضلة بين الأنبياء    «المياه بدأت توصل السد العالي».. عباس شراقى يكشف آخر تفاصيل الملء الخامس لسد النهضة (فيديو)    وزير الري: ما حدث بمدينة درنة الليبية درسًا قاسيًا لتأثير التغيرات المناخية    ترتيب الدوري السعودي الإلكتروني للسيدات للعبة ببجي موبايل    صلاة الخسوف.. موعدها وحكمها وكيفية أدائها كما ورد في السنة النبوية    تقي من السكري- 7 فواكه تناولها يوميًا    زيادة الوزن بعد الإقلاع عن التدخين- طبيب يوضح السبب    طعنه 25 مرة ثم أطلق عليه الرصاص.. المؤبد لعامل قتل زميله في أسيوط    كاف: قرعة أمم أفريقيا للكرة الشاطئية الخميس المقبل    حزب "المصريين": كلمة الرئيس في ذكرى المولد النبوي الشريف أكدت أهمية تجديد الخطاب الديني    سقط من أعلى عقار.. التصريح بدفن جثة طفل لقي مصرعه بمدينة نصر    أبرز مجازر الاحتلال في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر    إلغاء رد جهات الولاية من شهادة البيانات وإتاحة التصالح على الجراجات وقيود الارتفاع    مواعيد القطارات المكيفة القاهرة والإسكندرية .. اليوم الاثنين    توقيع الكشف الطبي على 1200 مواطن خلال قافلة طبية مجانية بالبحيرة    3 مساعدين شباب لوزيرة التضامن    مروان يونس ل "الفجر الفني": مفيش طرف معين بإيده يخلي الجوازة تبقى توكسيك    لافروف ل"القاهرة الإخبارية": نثمن جهود مصر لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة    "مش هنسيب حقوقنا".. تحرك عاجل من المصري ضد حسام حسن    رئيس جهاز شئون البيئة: وضع استراتيجية متكاملة لإدارة جودة الهواء فى مصر    النيابة العامة تفعل نصوص قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية المتعلقة ببدائل عقوبة الحبس البسيط    رئيس جامعة المنيا يترأس الجمعية العمومية لصندوق التأمين على أعضاء هيئة التدريس    كيف يغير بيان مدريد موازين القوى.. جهود الحكومة المصرية في حشد الدعم الدولي لحل النزاع الفلسطيني    حزب الله يعلن مقتل أحد عناصره جراء الغارة الإسرائيلية على بلدة حولا جنوبي لبنان    مؤتمر صحفى لمهرجان الموسيقى العربية 32 بالأوبرا الأربعاء المقبل    وزير التعليم العالي: حصول «معهد الإلكترونيات» على شهادتي الأيزو يعزز مكانة مصر    «بيوت الحارة» قصة قصيرة للكاتب محمد كسبه    المشدد 10 سنوات لصاحب مطعم هتك عرض طفلة بكفر شكر    الأوبرا تحتفى ب«جمال سلامة» ليلة كاملة العدد ل«ملك الألحان»    التعليم العالي: اهتمام متزايد بتنفيذ الأنشطة الطلابية على مستوى المعاهد العليا والمتوسطة    كشف وعلاج بالمجان ل1127 مريضًا في قافلة طبية مركز الفشن ببني سويف    إصابة 3 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة ربع نقل ببنى سويف    موعد عرض الحلقة الثالثة من مسلسل «برغم القانون» لإيمان العاصي    «مفرقش معايا».. شريف إكرامي: بيراميدز عاقبني بسبب الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل صنع الاستعمار حدود مصر؟ «1»
نشر في اليوم السابع يوم 06 - 08 - 2024

لو سئلت عما يمكننى وصفه ب«الوقاحة التاريخية» لقلت بلا تردد: إنها قول بعض الجهال بأن حدود مصر تراب، وأن تلك الحدود قد صنعها الاستعمار، حين قامت الدول الاستعمارية فى عصر الاستعمار البائد بتقسيم ممتلكاتها فى المنطقة.. ولعمرى ماذا تكون جرأة الجهل إلا ذلك القول الذى ينفيه التاريخ ويستهجنه؟!
يعتبر البعض أن القول بأن مصر هى أقدم دولة على وجه الأرض هو من قبيل «النعرة الوطنية»، ولكن التمييز بين تلك النعرة المزعومة والتاريخ الواقعى أمر يسير، فهلم إذن نرى ماذا يقول التاريخ..
نحو العام 3200 ق.م. أتم الملك المصرى القديم مينا كفاح أسلافه لتوحيد قطرى وادى النيل - الشمالى والجنوبى - فأصبحت مصر بحق أول دولة موحدة مستقرة على حدودها الأصلية، فالحضارات القديمة المعاصرة للتاريخ الطويل لحضارة المصريين القدماء - كالحضارات السومرية والأكدية والبابلية فى العراق والفينيقية فى الشام والإغريقية فى اليونان- قامت على نظام «المدينة الدولة»، حيث كل مدينة هى دولة قائمة بذاتها، ومن حين لآخر تزداد قوة إحدى تلك المدن فتسيطر على ما حولها حتى تضعف وتضمحل، فترث مدينة أخرى سطوتها ونفوذها.. وهكذا، فتحددت إذن منذ عصر المملكة المصرية القديمة حدود مصر، التى تتكون من وادى النيل ودلتاه والصحراء الشرقية وقرينتها الغربية، وشبه جزيرة سيناء- الجناح الآسيوى - شرقا والنوبة السفلى «واوات» جنوبا «تمييزا لها عن النوبة العليا النعروفة بكوش»
الدارس لمادة النظم السياسية فى كليات الحقوق وتخصصات العلوم السياسية يتعلم من البداية أن للدولة ثلاثة عناصر هى «الشعب، والإقليم، والسلطة الحاكمة».. من البداية إذن عرفت مصر العناصر الثلاثة المكونة لدولتها، فالإقليم قد ذكرناه، والشعب مستقر على أرض الإقليم، والسلطة الحاكمة قائمة من وزراء وأمراء وقادة وموظفين للجهاز الإدارى، يرأسهم الفرعون، وعرفت أرض مصر ب«كمت» أى الأرض السوداء نسبة للون طمى واديها، أو «دشر كيما» بمعنى «الأحمر والأسود» - لونا رمال الصحراء وطمى النيل - وعرفها اليونانيون ب «كبتوس»، وهو تحريف لعبارة «حت كا بتاح» أى حائط بتاح نسبة لمعبد الإله بتاح بالعاصمة القديمة متف، وتحولت كپتوس مع الزمن إلى Egypt وEgypte وEgito وÄgypten فى اللغات الأوروبية، للدلالة على نفس البلد الواضحة حدوده التاريخية.
شهدت الحضارة المصرية القديمة تمددا لحدود الحكم المصرى، بلغ ذروته فى عهود الملوك المحاربين منذ عهد الملك أحمس، الذى طارد الهكسوس خارج حدود مصر، فحاصرهم عند قلعة شاروهين جنوبى غزة، وطهر منهم الساحل الفينيقى، وتولى خلفاؤه وعلى رأسهم تحتمس الأول وتحتمس الثالث وأمنحتب الثانى مد حدود النفوذ المصرى حتى بلغت جنوب شرقى الأناضول فى آسيا، وجنوبا عند شلالات النيل فيما يعرف ب«الإمبراطورية المصرية»، وإن كانت هذه المرحلة الإمبراطورية من تاريخ مصر القديم قد زالت بعد أواخر الملوك المحاربين مرنبتاح الأول ورمسيس الثالث، إلا أن حدود مصر الأساسية لم تتغير.
وفى العصر اليونانى - الهيللينى، وبعد تقاسم أبرز قادة الإسكندر الأكبر المقدونى مملكته بعد وفاته، وقيام الجولة البطلمية فى مصر، بقيت مصر على حدود إقليمها، وإن كانت فى بعض عهود البطالمة العظام كبطليموس الأول سوتير وابنه بطليموس الثانى فيلادلفوس قد مدت مصر نفوذها لجزر شرقى البحر المتوسط حتى الجزر اليونانية، وراحت تنافس السلوقيين اليونانيين الذين حكموا آسيا الصغرى فى السيطرة على الشام.
وحتى فى عصر الاحتلال الرومانى كان الإقليم المصرى مميزا بحدوده ونظامه الحاكم، ف«الپرفكتوس» - الحاكم الرومانى لمصر - كان يعين من قبل الإمبراطور الرومانى باعتبار أن مصر تابعة للإمبراطور مباشرة، وكذلك كان الوضع خلال احتلالها من قبل الرومان الشرقيين المعروفين بالبيزنطيين.
وفى بداية عصر الحكم العربى، تجلت معرفة الجميع بحدود مصر، عندما توجه القائد عمرو بن العاص لفتحها، فأرسل الخليفة عمر بن الخطاب رسولا وراءه يأمره إن كان لم يدخل أرض مصر بالرجوع، وكان الخليفة يخشى هلاك جنده فى مواجهة مع الروم فى أرض بعيدة، فاحتال ابن العاص وتهرب من حامل الرسالة حتى وصل إلى العريش، وفتح الرسالة وسأل من معه «هل نحن فى أرض مصر؟» فلما أجابوه بالإيجاب مضى قدما فى فتحها، فهذا يثبت أن حدود مصر كانت معروفة وواضحة، وأن بينما كانت غزة المعروفة للعرب ب«غزة هاشم»، نظرا لأن هاشم بن عبدمناف جد بنى هاشم قد مات ودفن فيها، تقع فى أرض فلسطين، فإن العريش - المسماة بذلك لكثرة نخيلها - تقع فى أرض مصر.
وفى العصر العربى كذلك عرفت لمصر خصوصيتها، فقد طلب أول ولاتها عمرو بن العاص من الخليفة عمر بن الخطاب أن يكون لمصر نظامها الإدارى الخاص، وكان ابن العاص يقول مفاخرا إن ولاية مصر تعادل مكانة الخلافة!
وخلال عملية تقسيم الخلفاء لنظام «الأجناد»، وهو تقسيم إدارى عسكرى يعادله حاليا تقسيم القيادات العسكرية جغرافيا إلى مركزية وشمالية وجنوبية وشرقية وغربية، كانت منطقة جند مصر مميزة بذات حدودها التاريخية المنفصلة عن باقى الأجناد كجند فلسطين وجند الأردن وغيرها.
وجاء إلى مصر الوالى من قبل العباسيين أحمد بن طولون، الذى نجح سنة 868م فى إقامة أول دولة مصرية مستقلة بعد دخول العرب مصر، وقد توسعت دولته فبلغ نفوذه الشام حتى الثغور الشامية- أى أول ما يواجه الروم من مدن الدولة العباسية- وإقليم برقة الليبى غربا، واستمرت دولته حتى العام 905م عندما أسقطها العباسيون، وبعد سنوات وتحديدا فى العام 935م تكررت التجربة على أيدى الأمير محمد بن طغج الأخشيد الذى أقام دولة مصرية أخشيدية مستقلة استمرت حتى العام 968م الذى نجح فيه الفاطميون الآتون من شمالى أفريقيا فى دخول مصر ونقل مركز دولتهم لها، لتستقل مصر تماما وبشكل رسمى عن الدولة العباسية وتصبح عاصمتها القاهرة - التى أسسها القائد الفاطمى جوهر الصقلى - عاصمة ودارا للخلافة الفاطمية، ومنطلقا لتمدد دولة الفاطميين باتجاه الشام والاصطدام بالعباسيين فى العراق.
وعند تعرض المشرق العربى الإسلامى لمحنة الحملات الفرنجية المعروفة ب«الصليببة»، نرى حدود مصر واضحة، فالفرنجة الذين أقاموا لأنفسهم مملكة بيت المقدس فى القدس الشريف وما حولها، وتمددوا إلى عسقلان ويافا وغيرهما، عرفوا الفرق بين مناطق استيطانهم فى فلسطين وأراضى مصر، وبدا هذا واضحا فى نصيحة الملك الإنجليزى ريتشارد قلب الأسد للفرنجة بغزو مصر لو أرادوا استرداد بيت المقدس بعد تحرير صلاح الدين الأيوبى لها، وقبل ذلك فى محاولات الملك الصليبى أمالريك الأول «المعروف بعمورى» غزو مصر عن طريق شمالى سيناء والفرما «شمالى خليج السويس»، وفى مفاوضات جلائه كانت مغادرته سيناء تعنى خروجه من مصر.
هكذا نرى أن ثمة حالة من التواتر فى وضع مصر، سواء من ناحية الإقليم أو خصوصية السلطة الحاكمة له، منذ عصر الحضارة المصرية القديمة مرورا بالعصر اليونانى الرومانى وحتى العصر الفاطمى.. فماذا عن العصور اللاحقة؟ وماذا عن عنصر الشعب المصرى؟
لهذا الحديث بقية، ولتلك الأسئلة إجابات فى المقال المقبل إن شاء الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.