"ياجماعة ضروري الست دي اسمها كذا وتايهة في السعودية بعد نزولها من عرفات.. فلان ده مفقود ومش عارفين هو مات ولا إيه".. فجأة تحول فيس بوك وجروباته للبحث عن المفودين أو المتوفين بعد انقضاء حج هذا الموسم.. فما الذي حدث في موسم الحج هذا العام؟ ولماذا لم تخل قرية مصرية من موت حاج أو فقدان آخر؟! الحقيقة أنه وللأسف الشديد بعض شركات السياحة تواطأت مع بعض الأهالي لقتل أو فقدان أهاليهم في السعودية وليس لأداء الفريضة كما كانوا يظنون. أقنعت بعض الشركات الأهالي أن تأشيرة الزيارة هي تصريح بالحج، والشركات والأهالي يعلمون أن المملكة قد رفعت شعار "لا حج دون تصريح". فالحج الفريضة الوحيدة التي قال فيها رب العزة سبحانه "من استطاع إليه سبيلا" وقال عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم "لمن استطاع إليه سبيلا".. والاستطاعة هنا جسدية وماديه معاً، لأن الحج على مر السنين والعصور مشقة كبيرة، برغم توفير بعض سبل الراحة. وفي كل عام تقوم الدولة القائمة على استضافة الحجيج بحساب طاقتها الاستيعابية ومن ثم توزيعها على الدول المسلمة ليخرج المسلمون لحج بيت الله من كل بلد حسب الأعداد المحددة لهم دون زيادة أو نقصان، ولأن الحج مشقة وطريقه طويل، فكل حاج خارج بشكل رسمي من بلده لديه مايسمى ب"الباقة" وهذه الباقة أشبه بخريطة يضع فيها الحاج خط سيرة منذ خروجه من بلده وحتي عودته سالما. إذن فماذا حدث ومن أين أتى التائهون والمفقودون. منذ عامين ابتدعت بعض الشركات طريقا جديدة وهو "حج الزيارات" أو الحج غير الرسمي.. وهنا فرق كبير بين الحج الرسمي وغير الرسمي. ستجد صوتا يقول: الناس عاوزه تسقط الفريضة.. هقولك "لمن استطاع إليه سبيلا" وهقولك إن أهل العلم متفقين أن لا حج لمن لم يقدر على ثمن ركوبته فهذا الإمام النووي يقول: "فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةٌ تَقْصُرُ فِيهَا الصَّلَاةُ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ إلَّا إذَا وَجَدَ رَاحِلَةً تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ، بِثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا، أَوْ وَجَدَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، أَوْ عَجَزَ عَنْ ثَمَنِهَا، أَوْ أُجْرَتِهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ، ومثله قال ابن قدامة: "فَإِنْ كَانَ يَمْلِكُهُ، أَوْ وَجَدَهُ يُبَاعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فِي الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ، أَوْ بِزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ، لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَتْ تُجْحِفُ بِمَالِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ"! لكن إزاي أنت هتفتي أنا عاوز أطلع وأنا مشتاق ياسيدي وهطلع زيارة موافق معاك وهدعيلك بس قبل ما تطلع ركز كده "ولا تلق بنفسك إلى التهلكة". المسافة بين مكةوعرفات تتراوح بين 20 كم إلى 30 كم، في الحج الرسمي أنت عندك وسيلة نقل متوفره في شركة السياحة المسئولة عنك، أما في الحج غير الرسمي أنت معرض للنصب هتتصعد ب1000 ريال ولا 2000 ولا ب3000 ولو حضرتك لا تملك الاستطاعة يبقي هتكمل المسافة دي مشي. دخلنا عرفة وربنا قدر لنا البقاء في الحج الرسمي عندك مخيم مكيف، ومتوفر فيه سبل الراحة على حسب باقتك، وعندك طبيب عنده بيناتك وكل شىء عنك، ورقم الطوارئ الخاص بك، وفي الحج غير الرسمي أنت على الله حكايتك، ولا حد يعرف عنك حاجه وأنت مش هنا أصلا وواجه ظروف الجو والحياة بشطارتك!! ماذا بعد الوقوف بعرفة؟ لو أراد الله لك ونجوت علي خير بعد تعب وارهاق يوم عرفات وأنت من حجاج الزيارة فسر في طريقك إلي المزدلفة - 11 كيلو – والأهم إن تلفيونك فاصل ولن تتواصل مع أحد، وليس معك سوي المياه فقط، أما في الحج الرسمي فعندك وسيلة مواصلات تاخذك علي حسب خطه التفويج وخط السير وتذهب لمزدلفة وبانتظارك مكان داخل الحدود للمبيت وفيه وجبه عشاء وتشحن تليفونك وتطمن حبايبك وتطمن عليهم. بعد صلاة الفجر في مزدلفة هتطلع علي منى لرمي جمرة العقبة والمسافة تقريبا 7 كيلو، فلو أنك من الحجاج الرسميين فلديك قطار المشاعر أو باصات حملتك معززا مكرما وبرده هتقدر تشحن تليفونك في الباص وتطمن حبايبك عليك، أما لو كنت من حجاج الزيارة أو الغير رسميين فليس أمامك إلا أن تأخذ الطريق سيرا علي الأقدام دون أي تواصل!! تخيل يا مؤمن هذا المشهد الذي أحكيه لك في درجة حرارة تتخطى ال 50 أحيانا، فمن لديه هذه القدرة البدنية الهائلة علي السير في هذا الجو لمسافة تتجاوز ال 30 كيلو علي مدار يومين دون راحة ولا سبيل معه إلا الماء أو ما أفاض الله به عليه.. فهذا إما ميتا أو مفقودا لا محالة. في النهاية كل منا يعرف قدر نفسه ولن يستطيع أحد أن يمنعك أداء الفريضة لو كتبها الله لك لكن ياسيدي "اعقلها وتوكل"! هؤلاء الذين فقدوا أو تركوا في الشوراع لحرارة الشمس تأكلهم حتي الموت يُسأل عنهم ذويهم الذين أخرجوهم وهم يعلمون جيدا حجم المخاطرة في أن يكونوا حجاج غير رسميين أو "زيارات" كما تسميهم الشركات، وتسأل عنهم الشركات التي خدعتهم وتركتهم دون دليل ولا خطة طوارئ يواجهون حرارة الشمس والعطش والجوع دون أنيس ولا وسيلة اتصال حتى!