تؤمن الغالبية من المصريين بأنهم قاموا بالثورة على الفساد، وكان هدفهم، ببساطة ومازال، نهضة الوطن وصلاح حال المواطن المصرى. لقد نجحت ثورة هذا المواطن فى إسقاط رأس النظام وعصابته، ولكنها كانت مجرد مطية فى نظر تلك القوى المتحفزة للانقضاض.. كان لكل منهما مشروع وتراث، يحاول أن يحميه ويدعمه، لم تتمتع أى من القوتين بعقيدة ثورية، وكانت كل منهما على استعداد للتعايش وانتظار الفرج. على الوجه الآخر، كان لكل قوة مشروعها، القوة الأولى وهى المجلس الأعلى للقوات المسلحة نظرت للثورة على أنها المطية التى أفادت فى إنهاء التوريث لمدنى ولكنها يجب أن تمتطى وتروض للمحافظة على تراث ستين عاما مضت, لقد استقر لدى المؤسسة أنها فوق باقى المؤسسات، وأنها مصدر الرئيس الفرعون الذى يتحكم فى البلاد، ويضمن وضعها الخاص الذى يفرض عليه ولاءه أن يورث عسكريا آخر بعده. القوة الثانية هى جماعة الإخوان المسلمين رأس حربة تيار الإسلام السياسى ولها مشروعها الذى رابطت وضحّت من أجله عشرات السنين، وقد حان وقت تمكينها من حكم مصر ولا يمكن للجماعة أن تفلت هذه الفرصة الذهبية، ولو اقتضى الأمر عقد الصفقات خلف الأبواب أو حتى التهديد بالصراع الخشن، كما حدث فيما سمى بجمعة قندهار، اليوم وصلنا لمحطة متقدمة فى صفقة الأساس، والتى بمقتضاها كانت الحكومة للإخوان والرئاسة توافقية مع العسكر والدستور ضامنا للبقاء الآمن لنفوذ واستقلال المؤسسة العسكرية، وفى نفس الوقت يظل ضامنا للهوية الإسلامية التى لم ينازعها أحد فى الأصل. اليوم تحمى جماعة الإخوان ظهرها مما بدا من إصرار المجلس العسكرى على عدم تمكينها من تشكيل الحكومة حتى الآن ومن الاحتمال القائم بحل البرلمان، بل وحلها هى نفسها لعدم توفيق وضعها قانونا، اختارت الجماعة التقدم بمرشح لرئاسة الجمهورية طريقا لحماية الظهر. اللافت للنظر أن الجماعة تقود أيضا أعمال وضع الدستور الذى سيرسم حد التوازن بين سلطات الرئيس وباقى سلطات الدولة، يتساءل الكثيرون: هل سيميل هذا الميزان حسب فرص مرشح الإخوان فى الفوز بالرئاسة؟. الآن يقف مرشح الإخوان أمام مرشح المجلس العسكرى ووراء كل منهما قوة لها مصالح مصيرية ولكنها على استعداد تام لتعزيز الصفقة الأصل بصفقات مستجدة كل يوم. أين مصر الثورة وأرواح الشهداء ونور الأعين من هذا كله وما النتيجة المتوقعة؟، هل ننتظر غير فقدان الثقة والتفرق والاستقطاب وضياع طريق النهضة؟.