اختار وقتًا عصيباً تتشابك فيه الأحداث، وتتعارض التحليلات وكثيراً ما تتوه الحقيقة، ووسط صخب إعلامى وتزاحم الآراء يعود الإعلامى الكبير عماد الدين أديب إلى تقديم برنامج جديد اختار له اسم «بهدوء» على قناة «سى بى سى» ولعله يحمل ملامح من شخصيته البسيطة العميقة، فهو صاحب حضور يأسرك بعمله وبشغفه المستمر بكل ما هو جديد ويرتقى بك إلى عنان السماء.. البرنامج يبدأ فى أول العام الجديد، بواقع حلقتين كل أسبوع، وهو يجىء فى موعده ليتابع الواقع برؤية مغايرة للسائد، وقد توقفت عند حديث «أديب» الممتع فى برنامج «مصر تنتخب» من خلال الاستوديو التحليلى للأخبار على قناة «سى بى سى» مع الإعلامية لميس الحديدى، التى تمكنت ببراعة من استخراج أدق التحليلات السياسية والاجتماعية له.. وأنا أعترف أننى أحد المهتمين والمتابعين لعماد أديب، فهو حين يحلل لا يرى ما نراه، وإنما يأخذنا بعيداً بأصالة رؤيته ويرمينا إلى شطوط أخرى، حيث نفاجأ بمئات المفردات الخاصة جداً، والتى ما كنا يمكن أن نصبو إليها. هو دائماً يضع عينيه على اليقين الحقيقى، ويقبض بيديه على الحكم المطلق حيث البحث عن الأسرار قد صار واقعاً لا يحتاج إلى مزيد من الجدل. عماد أديب له سحره، أحس أنه يجيب عن الأسئلة ببساطة وهدوء ومنتهى الحكمة، ونحن نحتاج إلى مثل هذا الإعلامى الذى يزرع التنوير فى عقول المشاهدين، فهو رجل ذات حس وطنى يخاف على بلده مصر، ويعمل من خلال فكر متزن يرفض تهييج الجماهير وإشعال الحرائق من أجل تحقيق مجد شخصى كاذب. يتكلم وكأنه يلقى محاضرة رفيعة المستوى وينطلق من خلال منظومة إعلامية مدروسة مبنية على حجج وبراهين، وبهذا فهو يرتقى بالمشاهد ويحافظ على مصداقيته، التى تجعلنى أصدقه فى كل ما يقول لأنه يحلل الوضع الراهن لا كما يفعل الآخرون، فهو صاحب رؤية جريئة مقتحمة، وإذا كان قد حقق نجاحاً فى برنامجه منذ سنوات على الأوربت وكان على الهواء مباشرة فإننا اليوم نطمح أن يعود لنا فى برنامج «بهدوء» بهذه المصداقية، ومثلما اكتسب ثقة الجمهور فى أعماله السابقة، فأنا واثق من استمرار هذا الحبل المشدود من الود بينه وبين الجمهور ولهذا فقد توقفت أمام تصريحاته عن برنامجه الجديد من خلال قناة «سى بى سى» التى أكد أنها قناة محايدة استطاعت فى الفترة الأخيرة أن تثبت نفسها. وقال أديب: إن سبب قراره بالعودة إلى الشاشة مرة أخرى هو غياب الحوار الهادئ فى وسائل الإعلام وعدم سماع كل طرف إلى الآخر، خصوصاً فى ظل الأحداث السياسية الجارية الملتهبة. وأنا أعتبر أن البرنامج الجديد «بهدوء» يجىء استمراراً لنجاحات قناة «سى بى سى» فقد أكد المهندس محمد الأمين، رئيس مجلس إدارة قنوات سى بى سى، على استمراره فى العهد الذى أخذه على نفسه منذ أن بدأت إشارة إعلان قنوات سى بى سى، حيث أعلن أنه سيقدم الإعلام الهادف. وهو بهذا يثبت يوماً بعد يوم أنه يلتزم بوعده وعهده فى تجديد القنوات ودعمها بكل ما يضمن حيادها وصدقها، خاصة بعد نجاحها وحصولها على المركز الأول فى التغطية السياسية خلال الأحداث الجارية فى ميدان التحرير وتغطية انتخابات برلمان 2012، ولهذا فقد وثق الشعب المصرى فى هذه القناة، التى اعتبرها المكان الحقيقى للمصداقية والحقيقة الكاملة بعيداً عن الأكاذيب والمراوغة الإعلامية التى كادت أن تطيح بكثير من الثوابت والتقاليد فى الفترة الأخيرة.. ولعلها الآفة الأكثر خطورة على الرأى العام وعلى تراث حضارى مصرى لا يقبل أحد أن يلوثه، لأن الأمر يتعلق بأطهر مهنة يعرفها الناس منذ تعلمنا من القرآن الكريم آية: «اقرأ».
