لم يزعجنى ما نشر فى إحدى الصحف اليومية الخاصة عن قيام عدد من العاملين المؤقتين الذين يأتمرون بأمر الأمين العام ويسعون للتثبيت من تقديمهم لبلاغ ضد شرفاء البرلمان العاملين/ به والحريصين على سمعة هذه المؤسسة والمطالبين بتطهيرها من رموز الفساد، وفى مقدمته الأمين العام ومساعدوه، وذلك بعد قيام ثورة 25 يناير، ويعود السبب فى عدم انزعاجى إلى فهم طبيعة المشهد السياسى الذى تمر به مصر حيث حالة الانقسام بين القوى المضادة للثورة، وبين القوى الثورية والداعمة لها. وحالة مجلس الشعب على وجه الخصوص، باعتبار أن انتخابات النواب قد انتهت، تكاد تفضح واقع المشهد السياسى، فالأمين العام للمجلس والذى يستخرج الكارنيهات وموقعا عليها منه وباسمه، للنواب الجدد!! فهل هذا يليق؟! كما أنه قيد الاتهام والتحقيقات مع جهاز الكسب غير المشروع الذى لم يحسم أمره بعد، ولكن صدر بحقه قرار المنع من السفر هو وأسرته كاملة «الزوجة والأولاد»، كما أن اسمه ورد فى مضبطة مجلس الشعب عام 1982، باعتباره أحد المرتشين فى قضية رشاد عثمان ووزير شؤون البرلمان آنذك، وهو الأمر الذى أشرنا إليه فى المقال السابق. وفى تقديرى قبل شرح المزيد من وقائع الفساد، فإننى أخاطب النواب القدامى أولا قبل الجدد، فى المبادرة بإعداد مذكرة للمجلس العسكرى بالعزل الفورى للأمين العام ومساعديه والقيادات العليا فى هذا المجلس وأغلبهم «أمن دولة سابق، ومخابرات»، قبل أن تبدأ الجلسات الرسمية فى 23 يناير القادم، فمثل هذا الإجراء يعزز من مصداقية هؤلاء النواب، وكذلك البرلمان لدى جماهير الشعب المصرى، فتطهير البيت من الداخل هو أول خطوة فى تعزيز المصداقية لأية جهود لأعضاء البرلمان فى مكافحة الفساد فى المجتمع بعد ذلك، أما إذا ترك الفساد يرتع فى المجلس تحت سمع وبصر أعضاء البرلمان المنتخبين، فيستحيل أن يصدقهم الشعب فيما يقولونه تحت القبة أو فى وسائل الإعلام، فقد انتهى عصر الحزب الوطنى الفاسد، وانتهى عصر «الرئيس المقدس»، وانتهى عصر السرية حول كل شىء فبعد اندلاع الثورة بإرادة الشعب لم يعد هناك شىء يمكن ألا يكون تحت سمع وبصر جماهير الأمة، ونواب الشعب المنتخبون سيكونون تحت بصر الجماهير التى ستتابع أداءهم وستزداد ثقة الجماهير فى نوابها تحت القبة عندما يبدأون مكافحة الفساد من داخل البيت أولا، كمقدمة لاقتلاع الفساد من الجذور فى كل أنحاء المجتمع بعد ثلاثين عاما من «الفساد المركب». وإلى القراء الأعزاء وقائع الفساد لما يدور فى مجلس الشعب حتى الآن: أولاً: تعيين المستشارين بلا حدود وبمكافآت بآلاف الجنيهات، حيث تجاوز عدد المستشارين المئات يتقاضى كل واحد منهم آلاف الجنيهات فى إطار العلاقات الشخصية وبلا لزوم وبالمخالفة لكل القواعد، حيث كان يعمل مستشارا لرئيس مجلس الشعب أحد الشخصيات القضائية الكبرى كان يتقاضى أكثر من «100» ألف جنيه شهريا بما يتعارض مع فصل السلطات، وغيره المئات، ومنهم أيضًا شخصية تنفيذية يشغل منصب محافظ تقاضى ذات المبلغ خلال عدة سنوات، وكان له حساب فى بنك مصر فرع مجلس الشعب يتم تحويل الأموال منه إلى حساباته الخارجية، ومن ثم أصبح فرع البنك بالمجلس قنطرة لنقل الأموال وتحويلها! كما أنه كان يتم المد لغالبية القيادات خاصة المرضى عنهم فوق سن الستين مقابل آلاف الجنيهات شهريا، «وإذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهل البيت....»، فإذا كان الأمين العام وصلت سنه 77 سنة أو تجاوز سن المعاش ب«17» سنة، فلا بأس من المد للآخرين بدرجة مستشار!! ثانيا: نظام التعيينات فى المجلسين مخالفة للوائح وللقوانين: وصف بعض الحقوقيين مؤسسة مجلس الشعب، بأنها فاسدة وأن الثورة لم تصل إليها بعد والتى تعنى إحداث تغيير جذرى فيها، وذلك لما بها من محسوبية وفساد فى التعيينات، وفى المستشارين المعينين بلا ضوابط سوى المجاملة، وهم فى الغالب متقاعدون أى فوق الستين، وأن عدم تطهير هذه المؤسسة من الفساد يسهم فى المزيد من الترهل والتدهور التام. وفى مجال التعيينات على مستوى الموظفين الفنيين، أو الموظفين الإداريين أو العاملين فى جميع المجالات حتى عمال الخدمات، فإنهم جميعا معينون بالواسطة والمحسوبيات، ولا يتم تطبيق المادة 4 من لائحة العاملين فى مجلس الشعب التى تنص على عدم جواز التعيين لمن تربطه بأحد العاملين فى الأمانة العامة للمجلس صلة قرابة أو نسب حتى الدرجة الرابعة، بالمكافأة الشاملة! إلا أن الواقع يشهد وجود عائلات فى الأمانة العامة بالمجلس، وأقارب فضلا عن أنه لم تجرِ المسابقات للتعيين فى الوظائف المختلفة خصوصا الوظائف الفنية للباحثين «الحقوق - العلوم السياسية - مكتبات، وغيرها»، ومن ثم كان التعيين يتم فى هذه الوظائف لأقارب وأبناء نواب مجلسى الشعب والشورى من الحزب الوطنى فحسب، ولم يكن يعين مثلا أوائل الدفعات المختلفة من كليات الحقوق والعلوم السياسية، كآلية تجسد الشفافية، الأمر الذى كان يعكس مدى الفساد فى عملية التعيين، وأدى ذلك إلى تدهور المستوى الفنى لأغلب العاملين الفنيين فى المجلس، ولذلك كنت أقدر بعض الموظفين الباحثين لكفاءتهم حتى إننى كنت أعتبرهم ثروة كبرى، ولكنهم للأسف كانوا قلة محدودة، بينما الغالبية لا تتسم بالكفاءة لأنها جاءت بالطريق الخطأ الفاسد، وأذكر هنا واقعتين، هما الأولى: حيث اعترفت إحدى الباحثات فى المجلس فى ندوة عن الشفافية والنزاهة، بأنها عينت فى المجلس بالواسطة، وهى قريبة لأحد نواب الحزب الوطنى، عن طريق الأمين العام مباشرة، والثانية: حيث قصدنى أحد الشباب المحامين النابهين طالبا التعيين فى مجلس الشعب، فعرضت طلبه على رئيس المجلس «د. سرور» فأشر عليه للأمين العام للنظر، وعندما سلمته له، قال لى: «انسى» إن شاء الله، وعندما ناقشته قال: «أصل إحنا حنعمل مسابقة وخليه يقدم فيها!!»، ولم يعين أو ينظر فى الطلب فأصيب صاحبه بالإحباط، وكان أحد نشطاء الثورة فيما بعد، هل فهمتم لماذا قامت الثورة وعن طريق الشباب وبمبادرتهم وتضحياتهم؟! وكنت كلما سألت أحد العاملين عن التعيينات، يقولون لى نعم تم تعييننا بالواسطة عن طريق نواب الحزب الوطنى وقياداته!! كما أن المادة 4 من لائحة العاملين تنص أيضًا على أن الأمانة العامة للمجلس تعلن عن الوظائف الخالية بها فى أدنى فئات وظائف التعيين، ويتضمن الإعلان البيانات المتعلقة بالوظيفة وشروط شغلها!! وهو الأمر الذى لم يحدث فى عشرين سنة تولى فيها د. سرور ومعه سامى مهران الأمين العام، ولم تعلن مسابقة واحدة، بل تم التعيين مباشرة، الأمر الذى يقطع بالفساد المستشرى داخل هذه المؤسسة سواء مجلس الشعب أو مجلس الشورى المرشح للإلغاء، ولدى قائمة بمن تم تعيينهم طوال هذه السنوات ومصادر التزكية. ثالثا: فساد الترقيات والمد لمن بلغ سن المعاش «الستين»، طبقا للأهواء الشخصية لرئيس المجلس والأمين العام: ولا شك أن مسألة الترقيات والحراك الوظيفى كان يخضع لمعايير شخصية غير موضوعية، ولعل الترقيات الأخيرة لأكثر من 200 شخص لدرجة «مدير عام» دون وجه حق للغالبية، تعكس محاولة شراء رضا وذمم بعض العاملين، الأمر الذى يؤثر بالخلل على الهيكل الوظيفى من جانب، وتشوه هذا الهيكل، كما أنه أدى إلى تطفيش الكفاءات الحقيقية للحصول على إجازات للعمل خارج هذه المؤسسة المفترض أنها «الوطنية»، لكن بكل أسف أصبحت مؤسسة طاردة للكفاءات القليلة والنادرة لحساب دعم الفساد وأطرافه فى هذين المجلسين، وليس بمستغرب أن يحترق البرلمان، ويتكلف مليار جنيه وأكثر، دون محاسبة أحد!، وقد كان لشعور الكثيرين بظلم هذه الترقيات، أن رفع عدد من الباحثين الجادين دعاوى قضائية لوقف هذه الترقيات والتعيينات المخالفة لإعادة الاعتبار لهذه المؤسسة الوطنية». أليس من الأسف أن تنعقد جلسة مجلس الشعب الأولى فى 23 يناير 2012 بعد عام من الثورة، ومازال الفاسدون فى مواقعهم بالبرلمان؟! فكيف يتم تطبيب الجرح دون تطهيره؟! ألا يؤدى ذلك إلى أمراض خبيثة؟!