كيف يمكن أن يكون الإنسان أداةً لتعذيب الآخرين؟ كيف يتحول إنسان بسيط إلى جلاد متوحش؟ هل يمكن أن يعذب الإنسان أى إنسان وتُنتهك كرامته بذريعة حماية التجربة الديمقراطية؟! فإذا لم تكن حياة وحقوق وكرامة الإنسان جوهر تلك الديمقراطية فما الذى يميزها عن الاستبداد!؟ وإذا كان التعذيب سبيلا لإنقاذ الديمقراطية، فمتى تنقطع سلسلة التعسف إن لم يكن فى زمن الديمقراطية!؟ إن التحول إلى حكم الشعب وسيادة الشعب، لا يتحقق فقط بل يجب أن يسبقه ويسايره تحول فكرى وثقافى فتغيير الحكم أو النظام لن يحل المشكلة القائمة فى مجتمعاتنا إذا لم يرافقه تحول فى الفكر والثقافة السائدة فى هذا المجتمع، فالذى يرفع فى الشارع ويطالب الحاكم بالديمقراطية والعدل والحرية، يجب أن يكون على استعداد أيضا فى بيئته الخاصة على فعل نفس الشىء فى كل مجالات حياته، وإلا أصبح التغيير شكليا لا قيمه له، إن تغيير النظام الفاسد والظالم يعنى أن نبتعد عن نفس الشىء نبتعد عن ممارسة الظلم والفساد بحق غيرنا والحرية والديمقراطية والمساواة ينطبق عليها نفس المقياس، فلا يعقل أن أطالب بحريتى وانتهك حرية الآخرين، أو أطالب بحكم ديمقراطى وأقمع الآخر المختلف معى، أو أطالب بالعدالة لى وحدى، وأمارس الظلم على غيرى، وأطالب بالمساواة وأفعل غير ذلك، يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون.. فالقيم السامية لا يمكن تجزئتها، فهذه مطالب الشعب والتى قامت لأجلها الثورة، فالحرية وكرامة الإنسان يخلقان مجتمعا حرا، فالحرية تعنى حريتى وحرية غيرى وحرية المجتمع بأكمله بكافة أطيافه وفئاته، وكرامتى كإنسان تبنى وتستمد قيمتها من مدى تقديسى واحترامى لكرامة الإنسان الآخر، فالقيم السامية هى قيم مطلقة، يجب احترامها بعيدا عن التقسيمات الخاصة بفئة أو جماعة أو طبقة، وإلا كان هذا بداية انهيار منظومة القيم والمبادئ الإنسانية وبداية لانتشار الظلم والقهر والاستبداد، الذى تحاول شعوبنا التخلص منه. إن الثورة على أهميتها وأهمية المبادئ التى حملتها تعنى شيئا واحدا فقط، وهو أن يمارس الجميع فى أفعالهم وأقوالهم الفعل الثورى الكفيل بأن يطهرهم من الموبقات التى كانت راسخة فى أنفسهم قبل الثورة، ولكن للأسف هذا لم يطبق على كل الأفراد وهم سموا أنفسهم أو سماهم الأعلام المصرى ثوار ولكن كيف يكونوا ثوارا وهم يمارسون نفس أساليب النظام البائد من تعذيب وحشى على بعض الأفراد هذا ما تم أعلى مسجد عمر مكرم، ومهما تكن تهمتهم فهم بشر ولهم حقوق، ولكنى أعجب كيف يتحولون هؤلاء إلى آلات تعذيب عدوانية بهذا الشكل؟ إلى أى حد تصل مستويات الانحطاط الأخلاقى والإنسانى لديهم دون أن يكون لديهم أى رادع داخلى يخفف من القسوة وكأنهم لا يدركون أبدا فظاعة ما يرتكبونه؟ ما الذى يحركهم فى لحظات التعذيب إنهم ورغم كل شىء بشر ولهم مشاعر وأحاسيس ولابد وأن فى داخلهم شىء من إنسان، ويخرج علينا مثقف يقول لنا إنه لا يمكن تفادى مثل هذه الإحداث، وأن حماية النظام الديمقراطى تتطلب، أحيانا التعامل مع أعداء الثورة بقدر من الشدة حماية للناس وللديمقراطية! لكن ألم تكن هذه الحجة ذاتها، التى برر بها النظام الدكتاتورى الوحشى كل جرائمه؟ أية ديمقراطية هذه التى تحتاج إلى مخالب وأنياب لحماية نفسها؟ ولكن كيف يمكن لإنسان أو لما يسمى بالثورى أن يمارس هذا الكم من العنف والعدوانية فى محاولة إذلال مواطن وتعذيبه بدون أى رادع، لا بل كثير من الأحيان بإصرار وتلذذ؟ ويبقى السؤال المحير لماذا هذا الحد من الإذلال وانتهاك كرامة الإنسان فى ممارسة العقاب على الفرد والشعب؟ وإذا كان التعذيب سبيلا لإنقاذ الديمقراطية، فمتى تنقطع سلسلة التعسف إن لم يكن فى زمن الديمقراطية!؟ وهل أثبت التأريخ يوما أن ممارسة التعذيب وفرت الحماية لأى نظام مستبد أو ديمقراطى؟ هل التعذيب وفر الحماية لأى نظام مستبد أو ديمقراطى!؟ وكيف لثوار اليوم الذين كانوا بالأمس ضحايا التعذيب ونسى البعض منهم أو تناسى تلك المحنة وأصبح جلادا باسم الوطنية أو متسترا على التعذيب باسم الحفاظ على الثورة!؟ إن الكثير من الناس على اختلاف مستوياتهم الثقافية مؤهلون للإذعان لميول وممارسات التعذيب عندما يخضعون لنظام استبدادى نظام يبرر التعذيب ويحظى بدعم مجتمعى متخلف ومتطرف وتضليل إعلامى متواصل، بحيث يصبح التعذيب سلوكا لا يجرؤ أحد على رفضه أو حتى استهجانه فيسكتون عنه ثم يتماهى الناس فيه ويخنعون للتغافل عنه، ومن ثم ينزلق البعض منهم لتبريره، وآخرون ينحدرون لترويج ممارساته جهارا فيصير جزءاً من سلوك المجتمع، كما أن المنخرطين فى بيئة يمارس فيها التعذيب يتأقلمون ويندمجون مع تلك البيئة لكى يشعروا أنهم جزء من تلك البيئة الطاغية التى يعيشون فيها للاحتماء بالخوف من الخوف ويأتى الانحدار نحو ممارسة التعذيب عند البعض كتنفيس عن المكبوتات التى فرضها المجتمع على وعى الإنسان الهش، إن أساليب التعذيب تتطور بتطور المطالبة بالحرية من قبل شعوب منطقتنا، تلك الأساليب تشعر بمدى الاستهانة بكرامة وقيمة الإنسان ففى البلدان الموبوءة بالتخلف لا يحتاج المواطنون إلى نصوص تبيح لهم التعذيب فهم معبئون بالكراهية ضد الآخر لأنهم نتاج بيئة التخلف والاستبداد أن التحول الديمقراطى فى مصر يجب أن لا يسمح لأى احد أو نظام باضطهاد المواطن المصرى وقمعه باسم التشريعات الديمقراطية أو حماية الديمقراطية لأن هذه الأخيرة وجدت لمصلحة الإنسان واحترام حريته وكرامته وحقوقه وإنسانيته وليس لسحقه وتعذيبه واستعباده إن المعاملة الإنسانية هى من حق الجميع.