"الإساءة لسمعة مصر"، لفظ يتكرر فى مناسبات عديدة وبصور مختلفة، فمدونات الإنترنت التى تنتقد الأوضاع الداخلية المتدنية فى مصر تتهم بالإساءة لسمعتها، وفيلم هويدا طه معدة قناة الجزيرة عن التعذيب فى السجون المصرية يسىء لسمعة مصر، وحتى خلع زوجة عصام الحضرى لحجابها فى سويسرا اعتبره البعض إساءة لسمعة مصر .. المصطلح مطاطى وغير محدد المعالم، فرغم وروده فى المادة 178 مكرر من قانون العقوبات والخاصة بالإساءة لسمعة البلاد وإبراز مظاهر غير لائقة عنها، إلا أن القانون لم يحدد معنى الإساءة بشكل محدد . التهمة التى لا توجد إلا فى مصر منقولة عن قانون فرنسا، رغم إلغائها منه فى القرن الثامن عشر بحسب نجاد البرعى المحامى الناشط الحقوقى. نجاد أكد أن المعنى القانونى للإساءة لسمعة البلاد هو الترويج لمعلومات خاطئة تؤدى إلى محاكمتها أو إيقاع عقوبات دولية عليها، أو احتقارها من قبل المجتمع الدولى. . وعلى الرغم من وضوح التفسير القانونى لنص المادة، إلا أن الواقع يؤكد استخدامها بشكل مختلف، لتصبح التهمة جاهزة الاستخدام مع أى صوت يعلو برأى مخالف أو معارض، ليجد وقتها الاتهام موجهاً إليه جزافا وبشكل مطلق، رغم أن هذه القضايا تنتهى فى الغالب بالبراءة لبعد الاتهامات عن المنطق، فكيف يعقل أن يتهم بالإساءة لمصر من يكشف تزوير الانتخابات بالصور فى مدونته، دون أن يوجه هذا الاتهام للمزور نفسه؟! .. وكيف يعقل توجيه هذا الاتهام لمن يكشف تعذيب الشرطة فى السجون، رغم أن هذا هو ما يسىء لسمعة البلاد فعليا؟! قضية الدكتور سعد الدين إبراهيم مدير مركز ابن خلدون هى الأشهر بين قضايا الإساءة لسمعة مصر، وقد حكم عليه فى مايو 2001 بالسجن لمدة سبع سنوات، بعد إضافة تهمتى التخابر لصالح دولة أجنبية، وتلقى تمويل أجنبى لمركز دراسات ابن خلدون دون موافقة الحكومة، وهى التهم التى برأته منها محكمة النقض بعد ذلك، قبل أن يحكم عليه مؤخرا بالسجن سنتين مع الشغل و 10 آلاف جنية كفالة فى قضية الادعاء الكاذب وتشويه سمعة مصر المقامة ضده من أبو النجا المحرزى وكيل نقابة المحامين بالجيزة وحسام سليم المحامى، بالإضافة لدعوى إسقاط الجنسية التى حركها ضده أحمد عبد الهادى رئيس حزب شباب مصر والتى اتهمه فيها بعدة تهم منها الإساءة لسمعة مصر. القائمة طويلة تبدأ بسعد الدين إبراهيم وتشمل آخرين، فهناك قضية المدون عمر الشرقاوى الذى اتهم بالإساءة لسمعة مصر بعد رصده لتجاوزات الأمن وتزوير الانتخابات فى 2005. عمر ذكر أن ضابط الشرطة الذى حقق معه سأله مستنكرا "انت عاوز تفضحنا ع النت؟" . عمر ليس المدون الوحيد الذى توجه له هذه التهمة، بل هى التهمة الموجهة لكل المدونين الذين يحاولون كشف الفساد أو تجاوزات الشرطة فى مصر. حتى أن القاضى عبد الفتاح مراد، رئيس محكمة استئناف الإسكندرية، رفع قضية يتهم فيها 51 مدونا ومدونة بالإساءة لسمعة مصر، ويطالب بحجبهم من على شبكة الإنترنت، وهى الدعوة التى رفضتها محكمة القضاء الإدارى، مؤكدة فى حيثيات الحكم على دعم حرية التعبير وعدم المساس بالمواقع طالما أنها لا تمس العقائد أو النظام العام. نبيه الوحش المحامى أشهر من حرك دعاوى الإساءة لسمعة مصر ضد شخصيات مختلفة، أبرزها قضاياه ضد الروائى على سالم لأنه أحد دعاة التطبيع وبذلك يسىء لسمعة مصر من وجهة نظره، وضد المخرجة إيناس الدغيدى، والممثلة عبير صبرى، والكاتبة نوال السعداوى، وضد الراقصتين فيفى عبده ودينا، وضد عصام الحضرى، وزاد فى دعواه ضد الحضرى مطالبا بإسقاط الجنسية المصرية عنه. الوحش لا يرى أن هناك تعريفا قانونيا محددا لمصطلح "الإساءة لسمعة مصر"، ويراه تقديريا، والعجيب أنه لا يذكر عدد دعاوى الإساءة التى حركها لأنها كثيرة جدا، أو على حد تعبيره "مش فاكر .. أنا كل أسبوع برفع قضية" .. المستشار يحى الدكرورى من ناحيته يرى أن التقاضى حق دستورى مكفول للجميع ، وبالتالى لا يرى حاجة لتحديد وصف تهمة الإساءة لسمعة البلاد، فمن حق أى شخص يرى إساءة لمصر أن يحرك دعوى قضائية، والفيصل فى النهاية هو الحكم القضائى سواء بالإدانة أو البراءة . ناصر أمين المحامى يختلف مع رأى الدكروى مؤكدا أن قانون الإساءة لسمعة مصر من القوانين المتخلفة التى تعود إلى العهود البائدة فى القرن الثامن عشر، ناصر أضاف أن مثل هذه الدعاوى يجب أن تحرك من قبل النيابة العامة باعتبارها الأمينة على المصلحة العامة، أما أن يحركها أشخاص لا صفة لهم فهذا محض هراء، لأن ذلك يسمح لأى مواطن بإقامة دعوات قضائية ضد أشخاص أو جهات كالصحف وخلافه، وبالتالى استخدامه كوسيلة لتقييد الحريات وتكميم الأصوات المعارضة. السلطات الثلاث فى مصر تنفيذية وتشريعية وقضائية تسىء بشدة لسمعة مصر أكثر من أى شىء، وضرب مثلا بمشروع قانون البث الفضائى الأكثر إساءة لسمعة مصر من أى شئ آخر. السفير عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية الأسبق، يرى أن مصطلح "الإساءة لسمعة مصر" هو الأكثر إساءة لمصر من أى شئ آخر، مضيفا أن الأزمة الحقيقية هى عدم وجود مساحة بين النظام وبين الوطن، ليتحول بذلك أى نقد للنظام - الذى هو موضع نقد بالأساس – إلى إساءة لسمعة الوطن، الأشعل قال "فى الغرب الوطن شىء ، والنظام شىء آخر مختلف، فالوطن هو النظام والحزب الحاكم هو الوطن" . أما المدون وائل عباس، صاحب مدونة الوعى المصرى، فيرى أن الكلام عن سمعة مصر يعطى انطباعا بأنها امرأة سيئة السمعة يخشى أن تتسرب أخبارها، مضيفا أنه غير موجود فى أى دولة أخرى فى العالم. وائل الذى اتهم أكثر من مرة بالإساءة لسمعة مصر رغم أنه لم يقاضى قضائيا بها يرى أن مصطلح الإساءة لسمعة مصر مطاط جدا، وغير محدد الملامح، ويضيف "لو صورت أى واحد بيلعب فى مناخيره تبقى أسأت لسمعة مصر، لأن الكثيرين سيرون أن ذلك يظهر الشعب المصرى كله بيلعب فى مناخيره"! عباس أكد أن أكثر ما يقلق النظام هو نشر الصور السلبية فى الوطن، دون اهتمام حقيقى بإصلاحها، أى أن النظام يخاف من ظهور هذه السلبيات أمام العالم، رغم أنهم يأتون لمصر ويرون كل شئ على الطبيعة، وأشار إلى أن هناك محامين اشتهروا بقضايا الإساءة رغبة منهم فى الشهرة والظهور، وسمح النص القانونى الفضفاض لهم بذلك، مما سمح ب "فوضى" قضايا الإساءة، كما وصفها. لمعلوماتك.. ◄60 قضية إساءة لسمعة مصر رفعها المحامى نبيه الوحش ضد سياسيين وفنانين وكتاب انتهى أغلبها بالبراءة . ◄مواد الباب الرابع عشر من قانون العقوبات من 171 وحتى 200، تنص على الحبس فى جرائم مطاطة وتخضع للتفسيرات المختلفة والتأويل، مثل "التحريض أو التحبيذ على قلب نظام الحكم"، و"تغيير مبادئ الدستور الأساسية مادة 174"، و"بغض طائفة أو الازدراء بها"، و"تكدير السلم العام مادة 176"، و"منافاة الآداب مادة 178"، و"الإساءة لسمعة البلاد وإبراز مظاهر غير لائقة مادة 178 مكرر"، و"إهانة رئيس الجمهورية مادة 179" .