الشارع أصبح فى حالة كرنفالية تشبه وقت خروج الناس لصلاة العيد، وأيضا وقوفهم فى طابور أنابيب البوتاجاز أو الحصول على رغيف عيش. الطوابير منتشرة بطول الطريق والكل واقف من أجل المشاركة فى انتخابات أول برلمان بعد الثورة، التى أطاحت بالمخلوع مبارك. خلال وقوفى فى الطابور، وجدت نفسى أمام مدرستى الابتدائية التى تعلمت فيها، ولعبت فيها أحلى حصص ألعاب، ثم أوقفت شريط الذكريات الذى مر على أبلة آمال وأستاذ سيد ومدير المدرسة أستاذ فؤاد، وقررت الحديث مع من يقفون فى الطابور سواء كانوا قبلى أو بعدى واتضح من كلامهم عدة أمور، منها أن نزولهم يأتى خوفا من الغرامة التى قد تطبق عليهم إذا لم يذهبوا للإدلاء بأصواتهم، وطبعا لأن الأيد قصيرة والعين بصيرة، كما قالوا فقرروا تحمل الوقوف فى طابور على ألا يدفع جيبهم 500 جنيه غرامة. البعض رأى أيضا أنه يعيش فى حرية وبالتالى عليه المشاركة والاختيار بكرامة، خاصة وأن لديهم اعتقادا بنزاهة هذه الانتخابات عن ذى قبل، لأن العهود الماضية كانت تشهد سيطرة الحزب الوطنى وأتباعه على سير العملية الانتخابية، وكان بالبلدى كما سمعت منهم "واكل حقهم". سألت نفسى: لماذا سكت بعض من الواقفين فى طابور الانتخاب على الحزب الوطنى كل ذلك الوقت؟ وجاءت الإجابة تردد أن الواحد كان بيمشى حاله، وكل انشغاله كان فى ساقية الماديات، لكن ربنا كرمنا بالثورة، وإن شاء الله حقنا مش هيضيع. الطابور يتحرك، فبعد أن كنت أقف تحت شجرة مكتوب عليها "خميس وسعدية حب للأبد"، انتقلت إلى حائط ملصق عليه ورقة دعاية لأحد الناخبين، ومكتوب عليها: اختار طريق الجنة. وهنا انتقل نقاش الطابور إلى استخدام الدين كدعاية للمرشحين، فقال واحد: والله أنا هدى صوتى للجنة وشرع ربنا ورد عليه التانى: يا سيدى اختار الناس بناء على برنامجهم، وسيب الدين على جنب. كانت هذه الكلمة توشك أن تشعل أزمة، لكن بعد ما النفوس هدأت بين الواقفين فى الطابور خرج صوت من واحد واقف بالقرب من باب اللجنة وقال لهم: يا جدعان إحنا جايين نختار مصر، وسواء دعاية فى جامع ولا فى كنيسة عشان بشر يبقى ده أكبر غلط، ومات الكلام على كده وكل واحد يختار اللى يعجبه. هدأت نفوس الناس فى الطابور، وكلهم يتمنون أن تكون الانتخابات فاتحة خير على البلد، وتسيير للحال وفتح أبواب الرزق للكل والرغبة فى الاستقرار والبعد عن شبح الغرامة التى تهدد من لا ينتخب، خصوصا وأن كل واحد يقف فى الطابور ويحس بالزهق يقولك: الله يخرب بيت ال 500، لكن يأتى الرد من ناس زى الفل بقولهم: الله يخلى الثورة اللى بتجيب لنا حقنا. وتنتهى الكلمات بابتسامات متبادلة يقطعها صوت العسكرى على باب المدرسة قائلا: اللى بعده.