بالتأكيد بالنسبة إلى الشعب المصرى، فالاستحقاقات كبيرة، والتحديات أكبر، وعلى الشعب أن يرتقى إلى مستواها، حتى يتمكن من صنع الفارق، بدلاً من الانزلاق إلى مخاطر استنساخ تجارب الماضى، وأن يستبدل باستبداد نظام لم يجد رادعاً على مدار عقود، استبداداً من نوع آخر يلغى إمكانية بناء ثقافة التعدد والاختلاف، واحترام الحقوق والحريات، وبناء نظام يضع نصب عينيه أن الشعب قادر على التغيير فى أية لحظة، فيكون هذا الرادع والوازع، أمام كل من تسول له نفسه الالتفاف على إرادة المصريين، أو الاستفراد بالقرار. عدد الناخبين فى مصر ليس قليلاً أو غير ذى دلالة، وحتى لو وضعنا الرقم البالغ 50 مليوناً جانباً، فإننا سنجد أنفسنا نعود مجدداً إلى لغة الأرقام، حين نعرف أن هؤلاء الناخبين لم يكونوا فى أغلبيتهم مهتمين أو متحفزين لأداء حقهم الديمقراطى، والإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات التشريعية أو الرئاسية، بدليل أن نصفهم أو يزيد عزفوا عن التوجه إلى مراكز الاقتراع فى الاستحقاقات الانتخابية السابقة. ومع ذلك فالعبرة ليست بالأرقام والإحصاءات التى أعلنها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى مصر، والتى أوردت إلى جانب أن 50 مليوناً من المواطنين يحق لهم التصويت، تقديرات بوجود زهاء 8 ملايين مغترب، كانت إحصائية فى نهاية العام الماضى ذكرت أن عددهم لا يتجاوز مليوناً ونصف المليون. العبرة فى ما هو قادم، وهو أمر عظيم الشأن، إذ إن المتوقع أن تشهد الانتخابات التشريعية المقبلة مشاركة غير مسبوقة من المصريين الذين لم يكونوا ليثقوا يوماً ما فى السابق بأن أصواتهم مسموعة وتصنع الفارق، وأن الشعب يفعل فتتجسد إرادته فى نتائج الانتخابات، وصعود ممثليه الذين أراد إلى مراكز صنع القرار، فى ظل انتخابات حقيقية، لا تزوير فيها ولا تلفيق، ولا صناديق مكدسة بأوراق اقتراع معدة مسبقاً، أو أصوات تباع وتشترى بأبخس الأثمان. الاستحقاق الانتخابى المقبل قد يشكل صورة وسيناريو للمستقبل القريب، كما أنه سيشكل خطوة واسعة باتجاه تعميق فهم المصريين لحقوقهم، وتقييم البرامج السياسية والانتخابية التى ستطرح عليهم، وبعد ذلك الحكم ومنح الثقة لمن يرونه مناسباً لحمل راية مرحلة مهمة جداً من التاريخ المصرى الحديث. ما يواجهه المصريون حالياً، لا يختلف كثيراً عما اعتادوا مواجهته فى الماضى، فمعظم التحديات الماثلة أمامهم شبيهة بتلك التى مروا بها، وهى على المستوى المحلى معروفة مسبقاً، وليس أقلها أن توجهات التصويت فى الانتخابات ستحتكم إلى قدرة واستعداد الأحزاب السياسية، والأطر المتشكلة حديثاً من الناشطين الشباب على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم، على إقناع الناخب وبناء الثقة معه، وعدم الانجرار إلى ثقافة تصدير الوعود المفرغة، وتضليل الناس، إضافة إلى تعقيدات العلاقة بين الشارع والمجلس العسكرى التى باتت حديث الصالونات السياسية ككل، خصوصاً مع رفض قطاعات واسعة من الشعب لمرشح من العسكر للرئاسة، وتحدى بناء دستور جديد يراعى تنوع الشعب المصرى ونسيجه المجتمعى. إضافة إلى ذلك، يبرز تحدى التجييش الطائفى الذى تلعب على وتره فلول النظام السابق، وجهات داخلية، تضررت بفقدان جزء كبير من امتيازاتها ومصالحها بسقوط النظام السابق، وتساقط زمرة من المستفيدين والفاسدين الذين شربوا دماء الشعب، ونهبوا ثرواته ومقدراته، وغيرها الكثير. على المستوى الإقليمى والدولى، يتنازع المصريون تحديات عدة، أهمها المحاولات المستميتة من العدو "الإسرائيلى" لضرب الاستقرار الداخلى، والتشكيك فى قدرة المصريين على بناء دولة حديثة تعددية، إضافة إلى محاولات الاختراق الأجنبى التى يقودها الغرب فى أكثر من جانب، باسم الديمقراطية، وبادعاءات مساعدة المصريين. على المصريين اليقظة، لكون ما ينتظرهم مسيرة طويلة من البناء، وإرساء دعائم نظام ودولة تعبر عنهم، وتحترم تطلعاتهم، وتراعى حقوقهم التى عانوا طويلاً سلبها ومصادرتها، تحت مسميات وعناوين كثيرة.