المرشد الرابع لجماعة الإخوان المسلمين محمد حامد أبوالنصر دعا إلى اجتماع مهم وعاجل لمكتب الإرشاد عام 1990، وفيه تقرر إنشاء القسم السياسى للجماعة، وعهد به إلى المستشار المأمون الهضيبى، الذى أسس أول مركز لدراسات الشرق الأوسط داخل الجماعة.. وسرعان ما تم إغلاق المركز من قبل الأجهزة الأمنية بعد أن تحول إلى حضانة للعقول والأفكار الإخوانية، وتجاوز بنشاطه حدود الوطن، وبعدها ظلت فكرة إنشاء مراكز للدراسات تراود الجماعة وتتحين الظروف المناسبة، حتى اقترب موعد الانتخابات البرلمانية 2005. وبدأت جماعة الإخوان المسلمين اتباع استراتيجية جديدة معتمدة على الاستفادة من خبرات التيارات السياسية الأخرى، واتجهت إلى تأسيس مراكز للدراسات، على غرار مراكز الدراسات الاشتراكية. فهل تكون تلك المراكز ذراعا فكرية ومعلوماتية للجماعة وبوابة خلفية للتواصل مع المجتمع الدولى، خاصة الولاياتالمتحدة وأوروبا؟ مراكز الأبحاث الإخوانية التى يصل عددها إلى 30 مركزا تنتشر بين القاهرة والمحافظات خاصة الإسكندرية والدقهلية والقليوبية، ويقف خلف تلك المراكز أعضاء الكتلة البرلمانية للإخوان، وقيادات ترتبط بعلاقات عربية وإسلامية تحميها من الملاحقة الأمنية. مركز حوار للتنمية والمجتمع المدنى، يديره النائب حسين إبراهيم نائب رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان، ومركز الأمة للدراسات يديره الدكتور محمد مرسى، ممثل كتلة الإخوان بالبرلمان سابقا والنائب محمد العزباوى، ومركز الإعلام العربى الذى يديره صلاح عبد المقصود عضو مجلس نقابة الصحفيين، والمركز الدولى للإعلام والتنمية الذى يديره القيادى الإخوانى على عبدالفتاح مدير نقابة الأطباء بالإسكندرية، ومركز المجتمع المدنى بالغربية الذى يديره المحامى الإخوانى طارق البلتاجى، ومركز النهضة الذى يديره النائبان محمود على عامر وعزب مصطفى فى الجيزة، ومركز أمة برس الذى يديره القياديان فى الجماعة حازم غراب وأحمد عز الدين الغول، ومركز شروق برس الذى يديره الإعلامى الإخوانى عادل الأنصارى، ومركز مناهضة التعذيب بالإسكندرية الذى يديره القيادى الإخوانى بالإسكندرية د.إبراهيم الزعفرانى، القائمة طويلة. هذه المراكز تمارس أنشطة مختلفة كالتدريب والتثقيف وإعداد الأبحاث والدراسات والندوات.. والتعاون مع التيارات السياسية المختلفة يسارا ويمينا، مثل إعداد قانون جديد للأحزاب السياسية قدمه الدكتور يحيى الجمل، أستاذ القانون الدستورى المعروف لمركز حوار للتنمية، وطرح للمناقشة بحضور شخصيات من مختلف الاتجاهات السياسية. مراكز أخرى تتولى تدريب الطلاب على العمل السياسى فى الجامعات وطرح أحدها مشروع لائحة طلابية جديدة وهو مركز سواسية الذى يديره المحامى الإخوانى عبدالمنعم عبد المقصود. ملف العلاقات العربية والملف الفلسطينى، يقع ضمن نشاط مركز الإعلام العربى، الذى يصدر مجلات غير دورية هروبا من القيود الأمنية والقانونية مثل دورية القدس وعالم الفكر، ويعد هذا المركز هو الأكثر إثارة للجدل، خاصة أنه يفتح الباب للحوار مع الغرب وينسق لحوار الحضارات وتحسين صورة الإخوان فى العالم الخارجى، خاصة لدى الولاياتالمتحدة وأوروبا، من خلال قيام المركز بترجمة مفهوم الإخوان للديمقراطية وحقوق المرأة والإصلاح السياسى والدستورى وقضايا حقوق الإنسان والتعددية السياسية. أدبيات جماعة الإخوان ومرجعياتهم السياسية التى تمثلها شخصية فى حجم فريد عبد الخالق تشير إلى أن الجماعة لم تفكر فى استخدام المراكز البحثية فى بداية تأسيسها لاعتمادها على قدرات عقول وثقل الرعيل الأول للقيادات من مختلف التخصصات فى زمن المؤسس الإمام حسن البنا ومن تلاه من المرشدين. ما بين حاجة الجماعة إلى تطوير الفكر السياسى من الداخل وملاحقة التطورات العالمية والإقليمية.. بدت هذه المراكز كحضانات للتدريب والتثقيف للشباب والبرلمانيين على يد ذوى الخبرات والتخصصات المختلفة من داخل الجماعة وخارجها. اللواء عادل عبد العليم الخبير الأمنى يرى أن المراكز البحثية الإخوانية تتطور بشكل خطير مع اقتراب انتخابات الرئاسة 2011، وما يسبقها من انتخابات فى المحليات والبرلمان، وهى مراكز موجهة لخدمة الفكر الإخوانى، وهى تنقسم إلى محورين محور سياسى وآخر دينى، فالمحور السياسى يعتمد على الجانب البرلمانى والتحالف مع الأحزاب والمحور الدينى يتغلف بالفتاوى فى مجالات الأقباط والمرأة، وهى تصدر تقارير مثل مركز أمة برس الذى يصدر تقاربر سنوية، والخوف أن تكون هذه المراكز بوابة خلفية للتمويل الدولى وأن يتم توظيفها إعلاميا لخدمة أغراض الجماعة السياسية. من جانبه ينفى الدكتور محمد مرسى عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان ورئيس الكتلة البرلمانية للإخوان سابقا أن تكون مراكز الأبحاث الإخوانية، واجهة تنظيمية للجماعة، مؤكدا أنها مراكز علنية ومرخصة، وبعضها يعمل كبيوت خبرة للنواب، وعندما قمنا بعمل دورات تدريبية للنواب، أشاد بها نواب الحزب الوطنى، وأكدوا أنهم بحاجة لمثل تلك المراكز، ويؤكد د.مرسى أن هذه المراكز يتم تمويلها بالجهود الذاتية ولا تعتمد على أى تمويلات خارجية أو داخلية إطلاقا. مرسى أشار إلى أن إغلاق هذه المراكز وإلغاء تراخيصها كما يحدث بين الحين والآخر، يكرس العمل غير القانونى، ويؤثر على تجربة النهوض بالمجتمع، وأضاف د. مرسى قائلا: «إذا كانت الدولة نفسها تؤسس مراكز بحثية، وتقوم بدعمها فلماذا تستكثر ذلك على الإخوان؟». الدكتور جمال نصار المستشار الإعلامى للمرشد العام للإخوان، يؤكد أن الحكومة لا تترك للمراكز الإخوانية حرية العمل، رغم كونها تمارس العمل الثقافى فقط، ولا تعمل بالسياسة إطلاقا، وتم إغلاق شركة الخدمات العلمية ومداهمة مركز أمة للدراسات أكثر من مرة، رغم كونه مجرد مركز للدراسات فى القضايا الخارجية مثل العراق وفلسطين والصومال. د.ضياء رشوان رئيس وحدة الدراسات السياسية بمركز الأهرام للدراسات يقول: لا يمكن اعتبارها كيانات بحثية بالمعنى العلمى، هى مشروعات فقط لتوظيف الأفكار والتدريب، معتبرها ظاهرة إيجابية مثل مراكز البحوث والدراسات التابعة لليسار أو الليبراليين، أو أى تيار آخر. وهى مفيدة للإخوان فى حال استغلالها لإمدادهم بالمعلومات والبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بشرط أن تكون دقيقة وموثقة، وهى أيضا مفيدة للجماعة فى تقدير المواقف واتخاذ القرارات الاستراتيجية، وإدارة الأزمات، وبغير ذلك تصبح مجرد لافتات فقط.