تسببت تصريحات الدكتور عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء، أمس الثلاثاء، التى قال فيها "إن الحكومة فى أى ظرف تتعرض له مصر، فإنها تضع استقالتها بكامل وزرائها تحت تصرف المجلس العسكرى"، خلال المؤتمر الصحفى المشترك مع النائب الأول لرئيس الوزراء السودانى على عثمان طه، فى حالة من الارتباك داخل مجلس الوزراء وفى مختلف الدوائر السياسية والإعلامية. بينما أتت تصريحات "شرف" رداً عن سؤال حول استقالة نائبه للشئون الاقتصادية وزير المالية الدكتور حازم الببلاوى، ظهر أمس، إلا إن بعض وسائل الإعلام بثت تصريحات شرف على أنها استقالة مؤكدة للحكومة بالكامل، وهو ما نفاه السفير محمد حجازى، المتحدث الرسمى باسم مجلس الوزراء، فى تصريحات لصحفيى مجلس الوزراء وللتليفزيون المصرى وعدد من وكالات الأنباء ووسائل الإعلام، وقال إنه "إجراء متبع" لا يعنى الاستقالة. بمجرد بث هذه الأنباء، تناثرت شائعات أخرى عن أن بعض الأسماء البارزة تشكل الحكومة الجديدة، من هذه الأسماء الدكتور على السلمى نائب رئيس الوزراء للتنمية السياسية والتحول الديمقراطى والدكتور جمال الجنزورى رئيس الوزراء الأسبق، لكن هذه الأنباء لم تتجاوز حد الشائعات كما أكدت مصادر مسئولة ل"اليوم السابع". اللافت هنا أن "شرف" نفسه تجاهل الإجابة عن سؤال خلال المؤتمر الصحفى، حول "متى تتقدم الحكومة باستقالتها"، حيث انتبه إلى سؤال آخر حول العلاقات الثنائية بين مصر والسودان، وأخذ يسرد فى الحديث حتى انتهى المؤتمر الصحفى، لكن "شرف" خلال توجيه هذا السؤال إليه تغير لون وجهه، ونزل عليه السؤال كالصاعقة، لتخرج تعليمات إلى متحدثه الرسمى عقب انتهاء المؤتمر بنفى الخبر، وتكذيب ما جاء فى بعض وسائل الإعلام التى أخذت التصريح، ولونته دون أن تذكر التفاصيل. حالة الارتباك التى تسيطر على الحكومة، بدأت منذ اندلاع أحداث "ماسبيرو" الأحد الماضى، وشهد الاجتماع الطارئ لمجلس الوزراء الاثنين الماضى تبايناً واضحاً فى وجهات نظر الوزراء، حتى إن بعض الوزراء لم يرضهم البيان الذى صدر عن المجلس بعد أكثر من 6 ساعات متواصلة من الاجتماع، الذى كرر نفس الكلام السابق لرئيس الوزراء فى بياناته عقب كل أزمة، حول وجود أياد خارجية تعبث بأمن الوطن، وتوصياته التى خرجت بشأن دراسة قانون دور العبادة الموحد وعرضه للنقاش المجتمعى على أن يتم إقراره بعد أسبوعين من تاريخ الاجتماع، رغم أن رئيس الوزراء نفسه تجاهل تقرير لجنة تقصى الحقائق حول أحداث كنيسة الماريناب بإدفو، والذى أكد على ضرورة عزل محافظ أسوان وإصدار قانون دور العبادة الموحد. الصورة ليست واضحة لحكومة "شرف" والبيانات التى تصدر عن المجلس مناقضة لتصريحات وزراء الحكومة، ولا تجارى الأحداث، ولا تستطيع خلق حلول للأزمات التى تتعرض لها مصر منذ إسقاط النظام السابق، وحتى مستشارى رئيس الوزراء ليس لديهم رؤى وخطط سليمة وواضحة، وغير متواجدين فى الأزمات، والملاحظ أيضاً، وبحسب مصادر مسئولة، فإن "شرف" يعمل بعيداً عن الأجهزة التى من المفترض أن يعتمد عليها، ويتجاهلها كثيراً. وحسب تأكيدات مصادر حكومية بارزة، حضرت اجتماع "شرف" مع المجلس العسكرى أثناء سريان شائعة تقدمه باستقالته، فإن رئيس الوزراء طلب من المشير إعفاءه من منصبه "شفهياً"، فرد عليه المشير بأنه إذا كان يرغب فى الاستقالة فلا داع لمجيئه إلى المجلس العسكرى، وعليه أن يعلنها عبر وسائل الإعلام من مجلس الوزراء، وهو تصرف ذكى من المجلس العسكرى الذى لا يريد أن يصنع من "شرف" بطلاً، رغم أنه فى نفس الوقت لن يجد رئيس وزراء يقبل أن يعمل بلاصلاحيات، ويتم توجيهه وفقاً لمزاج المجلس العسكرى، لأنه ببساطة يعشق الكرسى ولا يريد أن يبرحه! الدكتور حازم الببلاوى نفسه لم يتمسك باستقالته، وتراجع عنها، بعد أن انهالت عليه اتصالات وكالات الأنباء العالمية، لتسأله: "هل استقلت لأن الاقتصاد المصرى لن يتعافى ولن تقوم له قائمة"، وهو ما جعل المشير حسين طنطاوى يستدعيه حتى يثنيه عن قراره خوفاً على أمن مصر الاقتصادى والقومى. المؤشرات جميعها تدلل على أن هذه الحكومة التى لم تكن لها أجندة واضحة تحدد استراتيجيتها وخططها المستقبلية حتى الآن "محظوظة"، لأن كل أزمة تتعرض لها مصر تنجو من مطرقة الإقصاء والإقالة والظروف كلها تخدم تواجدها وبقاءها، فلو لم تكن الانتخابات المقبلة على الأبواب، لتمت إقالتها فوراً، غير أن المجلس العسكرى يمكن أن يقنع القوى السياسية بضرورة تأجيل الانتخابات فى حال تم إقالة هذه الحكومة، وهو الاتجاه الذى ترجحه المصادر، فقد نجحت حكومة "شرف" باقتدار فى تحويل المرحلة الانتقالية إلى "رمادية"، حتى إن هناك مصادر بمجلس الوزراء تؤكد أن "شرف" يحبس قانون الغدر، ولا يريد أن يخرج إلى النور ويتم تفعيله، لأنه هو نفسه كان عضواً بلجنة سياسات الحزب الوطنى "المنحل"، وبالتالى فمن الوارد جداً أن يطبق عليه قانون الغدر، خصوصاً فيما يتعلق بالعزل السياسى. الساعات القادمة ربما تشهد تطورات مثيرة، بعد هذه التصريحات، وكأن "شرف" يقول فى قرارة نفسه الآن: "ليتنى ما أخرجتها"، فربما تكون الفرصة الآن سانحة أمام المجلس العسكرى، ويستجيب للضغط الشعبى والإعلامى الذى يطالب بإقالة الحكومة بعد فشلها فى إدارة الأزمات التى تعرضت لها البلاد، منذ رحلت حكومة الفريق أحمد شفيق.