يختلف الكاتب عن غيره فى كونه يفكر بالصور لا باللغة، كما أنه محكوم بإيقاع خفى لا يعرف كنهه أو مصدره، والمشكلة أنه لا يستطيع الخلاص من كليهما حتى لو أراد، وكثيرًا ما يريد طلبًا للراحة أو نوع من (البريك)، ومهما حاول دائمًا يفشل. حاولت ذلك وأنا أنسحق بين المطرقة والسندان، الصورة والإيقاع الأم تسير مع أطفالها قادمة من جنوبالصومال متجهة نحو مقديشيو طلبًا للغذاء، جياع يسيرون وسط جياع، والجوع لا يعرفه إلا من جربه، وبالمناسبة هو يختلف تمامًا عن جوع الصائم، أو جوع من يعرف أنه عندما يصل لمنزله سيأكل، أو من تأخر عليه الأكل لسبب يعرفه، الجوع الحقيقى هو أن تجوع ولا تعرف متى ستأكل، لأنك لا تملك ثمن رغيف خبز، ولا تعرف كيف ومتى ستملك هذا الثمن، هذا شىء مختلف تمامًا يعرفه فقط من جربه، ومن جربه سيشعر أنه لم يعد أبدًا نفس الشخص، هناك شىء ما تغير فيه، ندبة ما سُجلَت على صفحة نفسه، سترافقه ما بقى حيًا، هى إذًا طوابير من الجياع، تسير ببطء منكسة الرءوس، ليس أمامهم إلا السير قدمًا، هناك عشرات الكيلو مترات عليهم قطعها، ولا يملكون إلا السير ثم السير ثم السير، الأم، عليها ألا تنظر للخلف أبدًا، فقط للأمام، لأن من يسقط من الأطفال لن تستطيع أن تفعل له شيئًا، فهى أضعف من أن تحمله، ثم أنه ميت ميت، كما لا تستطيع دفنه لأن هذا أيضًا يحتاج قدرًا من الطاقة لا تملكه، الجميع تعلّم شيئًا جديدًا لن يعرفه غيره أبدًا وهو السير محتضرًا، وعليه ألا يقع إلا بعد التأكد من أنه مات، هذه هى القواعد الجديدة للعبة الحياة. متى ستقف هذه المرأة لتعرف كم بقى من أطفالها على قيد الحياة، ومن سقط فى الطريق هدية للضباع الشريكة فى المأساة؟ لا أحد يعرف. وأتساءل أين ما يسمون بشباب المجاهدين، أين هؤلاء الأشاوس الذين دمروا دولة كانت ملء السمع والبصر، ولعنت سيّاد برى، الرئيس السابق الذى حكم الصومال عشرين عامًا وتركها فريسة لفراغ سياسى مريع، ملأه، من يطلق عليهم اسم الإسلاميين المتشددين، والإسلام منهم براء، فالخراب لا يمكن أن يسير فى ركاب المسلم إلا إذا كان يتخذ من الإسلام مطية أراد أن تحمله إلى أهداف دنيوية ضيقة وحقيرة، على هدى فتاو صنعها لنفسه، واستخلصتها عقول مغرضة، تخدع الناس أحيانًا ولكنها لا تخدع البارى عز وجل أبدًا، إنه لا يرضى أن يتحول الإسلام إلى مطية أبدًا، إنه أعز وأسمى من أن يستغل. وبالمناسبة شباب المجاهدين هؤلاء، هم ثالث طوْر من أطوار من يسمون بالمجاهدين، وينتظر ظهور طور رابع وخامس وعاشر، وكل منهم أكثر تشددًا ممن سبقه، وكل فى يده فتياه، وربما لا يعرف البعض أن الطور الثانى لم يبق منه غير عدد محدود على رأسهم شيخ شيخ أحمد رئيس الجمهورية الحالى، الذى يعيش هو والبرلمان فى حراسة قوات الاتحاد الأفريقى.