عندما أتى جاليليو وحاول أن يقنع من حوله بأن الأرض كروية، وهى التى تلف حول الشمس وليس العكس، رفض الجميع واتهموه بالهرطقة، ليس فقط لأن الفكرة لم تكن ممنطقة لعقولهم البدائية نسبيا، ولكن لأن الموضوع جه على كرامتهم، حيث إن الإنسان دائما يفضل أن يظن أنه مركز الكون وأنه أهم شىء فى الوجود، وكلما زاد جهل الإنسان وانغلاقه يؤمن أكثر وأكثر بذلك. فعندما ترى معظم من يعيش فى مجتمعنا العربى والإسلامى مثلا تجده لا يختلف كثيرا عمن كانوا يلقبون جاليليو بالجنون، فنحن شعوب تفضل أن تظن أنها شعوب الله المختارة، وأنها ستدخل الجنة وكل الشعوب الأخرى مصيرها الجحيم. نحن شعوب أذكياء وحالنا المتدنى هو مجرد ابتلاء واختبار، وشعوب العالم المتحضر أغنياء ولكنه أيضا ابتلاء من الله. نحن أصحاب الريادة، ونحن أول الحضارات، ونحن أول من اخترع كل شىء، ومصر أم الدنيا، ولو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا، إلخ إلخ.. من كل هذه العبارات التى تروق لكل من هو ضعيف يريد أن ينام الليل بضمير مستريح. لكن لو خرجت من هذا الصندوق الضيق، الذى يجعل العالم كله ينظر إليك كما ينظر لشخص ممتلىء بدين، حتى إنه لا يستطيع أن يقف ولكنه ينظر فى المرآة ويقول «ما أحلانى!!».. ويبتسم ويفخر بمنظره وينام وكله سعادة، سوف ترى حقيقة نفسك البدينة. العالم الآن ينظر إلينا كشعوب تسبب المشكلات فقط، شعوب لا تضيف للحضارة البشرية من العلم والفن والمعرفة إلا الفتات، ولكنها صاحبة نصيب الأسد من أسباب النزاعات والتفجيرات والحروب. خصوصا وقت المشكلات الحالية، وهذا هو الأهم، وقت المذابح فى ليبيا وسوريا، وسط مجاعة الصومال وتلك أهم، ماذا نقدم كعرب ومسلمين ومصريين لجيراننا؟ هل نهتم أكثر بإخواننا فى البشرية والدين واللغة والعروبة فى الصومال الذين يموتون جوعا أكثر أم نهتم بخطة مشاهدة برامج ما بعد الإفطار ونوع وجبتى الإفطار والسحور أكثر؟ هل هذا ما كان ينتظره الله ورسوله منا؟ كيف نطلب من العالم أن يحترمنا ونحن فى أى كارثة طبيعية تحدث فى أى مكان فى العالم، تجد المتطوعين بالمال والجهد والوقت أغلبهم من غير المسلمين والعرب، ونادرا ما تجد عربىا مسلما يساعد فى كارثة مثل التسونامى الذى حدث فى هاييتى أو زلزال اليابان أو حتى فى مجاعة الصومال، التى أغلب من يموت فيها مسلمون مثلنا. ما زاد الطين بله، هو أن بعض المعونات تذهب ولكن المجاهدين -المحسوبين على الإسلام- يرفضون أن تسلم للجياع لأنها «أتت من الكفار»، فهم يفضلون موت شعوبهم بسبب رأى دينى يظنون أنه آتٍ من الله. فى الوقت نفسه تكون بعض الدول العربية على قمة قائمة أكثر البلاد المستوردة للخمور، وتكون مصر من أكثر الدول فى البحث على كلمة «جنس» على الإنترنت. بالله عليك، لو لم تكن مصرىا، وكنت فى بلد آخر، عنده ضمير إنسانى ووجدت كل هذا، هل كنت ستريد أن تكون مصرىا؟ أعتقد لو كان مصطفى كامل هنا لفكر أكثر من مرة قبل أن يقول هذه المقولة بثقة. لقد اكتسبنا احتراما بعد الثورة، وأصبحت صورة ميدان التحرير الممتلىء بشعب يطالب أولا وأخيرا بالكرامة، محفورة فى العقل الجمعى البشرى، وعندما يسافر أى منا ويقول لأى شخص فى العالم أنه مصرى يجد الانبهار فى عينيه، ليس بسبب ما صنعه من فى القبور من آلاف السنين الذين لا يمتون لنا بصلة، بل ينبهر بقصة نجاح شعب وقف ليطالب بحقوقه. يجب الآن أن نحافظ على هذه الصورة بإدينا وأسناننا، وأن نوعد أنفسنا من اليوم أن نكون شعبا ذا كرامة فعلا، ويحترم كرامة الآخر وحقه فى الحياة، يعطى البشرية بقدر ما يأخذ منها وربما أكثر. البعض يقول هل انتهت مشكلاتنا من عشوائيات جوع وفقر لنفكر فى بلدان أخرى، ويقولون متهكمين «إحنا هنحمل هم الصومال كمان؟» أحب أقولهم إن من أول المجاعة حتى الآن مات أكثر من تسعة وعشرين ألف طفل فى بحر تسعين يوما فقط، نحن نبكى على ألف شهيد من الكبير للصغير، وهم مات عندهم حتى الآن هذا الرقم الكارثى من الأطفال فقط. هناك عديد من الأماكن التى تتسلم المعونات وتوصلها وتدخلها، لأن المجاهدين يتركون العرب فقط يمرون بالمساعدات، لهذا فحياة الأطفال الآن مسؤوليتنا أولا وأخيرا. وبحث بسيط على الإنترنت سيعرفك كل الجهات التى تستقبل التبرعات. إذا قسمنا عدد الأطفال الذين ماتوا من أول المجاعة على الوقت سندرك أن هناك أكثر من 300 طفل يموتون يوميا. هل تعلم ما معنى ذلك؟ معناه أن هناك طفلا مات وأنت تقرأ هذا المقال، ومع كل أربعة دقائق أخرى يموت طفل آخر