المصريون قوم خُلقوا ليكونوا تاريخاً ودرسا للأمم، ليس عبارة تقريرية ولا من باب شيفونية العرق، وإنما حقيقة تقرها الوقائع، فهم فى الكسل والأنتاخة ماشاء الله حدث ولا حرج، وفى الاستكانة والخضوع، لم يصل لمكانتهم أحد باستثناء دولة شقيقة، وفى العمل جبابرة، وفى النظام إذا ما دخلوا فى نظام ماهرون، حتى عندما خضعوا وتحملوا الإهانة فبات يُضرب بهم المثل فى الذل والخضوع، فقاموا بثورة صارت مضرب الأمثال فى العالم أجمع، فلا عجب إذن أن نقول إنهم قوم خلقهم الله ليكونوا مضرب الأمثال وحاملى التاريخ فى كل شيء وأى موضوع. وإليكم مثال آخر على عظمة هؤلاء المصريين الذين يتكيفون مع كل شىء، فقد أعلن المجلس العسكرى فى أكثر من مناسبة أن مخزون السلع الغذائية بصدد النفاد، كان ذلك منذ شهور، الحمد لله أنه لم ينفد حتى الآن لكن الأخطر من الإعلان الذى منح التجار شرعية الاستغلال والاحتكار، الأخطر هى تلك الأكوام من المواد الغذائية التى فى أغلبها تصنيع مصانع تحت السلم وبعضها ذو ماركات معروفة لنا، هذه الأكوام تغزو الأرصفة فى مناطق عدة، بل أنه لا تخلو منطقة من أحدهم يفترش الرصيف وأمامه أكوام من المشروبات الغذائية والعصائر والمكرونات، والبسكويتات والمعلبات بأنواعها المختلفة، فضلا عن المناديل الورقية فى عبوات مختلفة وبأسعار تنافس الأسواق الكبيرة حين تقدم العروض. هذا بالطبع غير الشوادر التى تم تدشينها تبيع اللحوم بأسعار تتراوح بين 30- 40 جنيها. المتفائلون يرون ذلك خيراً من باب خلى الغلابة ياكلوا، ولأننا كلنا غلابة فلابد أن نقف أمام هذه الظواهر لنفهم وإن كانت خيرا فليصيب الجميع، وإن كانت شرا فيكفى الغلابة فقرهم لا ينقصهم إضافة أمراض جديدة. أول مشكلات أكوام السلع وشوادر اللحم اشغال الطرق والأرصفة بشكل مبالغ فيه، وطبعا الشرطة قررت أن تؤدبنا فهم لا يتدخلون بأى شكل ولا بأى قسم من أقسامهم، فشرطة المرافق اختفت إلى غير رجعة، ونتصرف إحنا مع بعض يا نحارب الناس فى رزقها يانمشى فى وسط الطريق، ونخانق أصحاب السيارات والسائقين، ونحن نعبر الطرق أو نتحسس بضع سنتميرات للسير بجوار سيارة مركونة صف تانى ولا تالت فى شارع مزدحم. وهؤلاء المصريون الذى لا يقدرهم أحد فى شيء كلما استغل أحدهم مساحة ووجد صمتا وتراخيا، سواء من الشرطة أو الجمهور، زاد ذلك من طمعه فى الحصول على مساحة أخرى حتى أن بعضهم صنع محلات من الأرصفة، وحدث ولا حرج فى أى منطقة فى القاهرة الكبرى بضواحيها لا أستثنى من ذلك وسط البلد ولا الساحة الموجودة أمام مجمع التحرير التى باتت أشبه بسوق، ولا أرصفة الشوارع الحيوية فى وسط البلد. نأتى لثانى المشكلات فى أكوام السلع الغذائية طبعا لا أحد يعرف تاريخ الصلاحية لأى منتج، وحتى إن تجرأ أحدهم وقرأ تاريخ الصلاحية الموجود على العلبة أو المنتج من أدراه أن ذلك سليم وصحيح، الأمر الأخطر أن أغلب المنتجات الغذائية نجد دوما عبارة عليها تحفظ بعيداً عن الشمس وفى مكان جاف، وطبعا كل الأرصفة شمسها ما شاء الله شمس أغسطس، حيث درجة الحرارة فى الشمس قد تتجاوز الأربعين، أى أن هذه المنتجات تفسد أثناء عرضها بما فيها اللحوم التى نرى بعضها وقد اغمق لونها غير الحشرات والذباب الذى يسارع بأخذ نصيبه قبل المواطن البسيط. ثالث المشكلات، والتى من المفترض أن يحتل التساؤل الأول ما هى مصادر هذه المنتجات، ومن الذى ضخ بها فى السوق المصرية؟ ومن المسئول عن التزويد بها، وقد رأيت منذ قرابة الأسبوع فى شارع التحرير بجوار محطة مترو الدقى إحدى العربات التابعة لشركة كبيرة معروفة فى إنتاج اللحوم الفاخرة تزود البائع الموجود بجوار محطة المترو، وربما تكون هذه الشركة ليست الوحيدة ربما هناك شركات أخرى. رابع التساؤلات أو الظواهر المرتبطة بهذه الأكوام أن الإقبال عليها من قبل الموظفين والمواطنين قد شرع يرفع فى أسعارها شأنها شأن باقى المنتجات. ولا أفهم أين وزارة الصحة من كل ما يحدث، فإذا كانت الشرطة تؤدبنا، فهل تشترك معها باقى الوزارات بجهود تضامنية، هل اللحوم الموجودة فى الشارع لحوم سليمة ومذبوحة وفقا لشروط الطب البيطرى؟ هل المنتجات الغذائية الملاقاة على الأرصفة تتفق وشروط الصحة العامة؟ ألا يكفى المواطنون ما حصدوه من سرطانات بأنواعها وأمراض الكبد بفيروساته وأمراض الكلى وغيرها، ألا تكفيهم هذه القائمة الطويلة من الأمراض حتى تصدر لهم بمعرفة الجميع أمراض جديدة؟ أين السيد وزير الداخلية الراضى عن أداء شرطييه وهم يتركون الشوارع بلا رقابة، والأسواق بلا رقابة؟ أين وزارة التضامن الاجتماعى لتحمينا من هذا الطوفان الغذائى الذى لا نعرف مدى سلامته، وإن كان خيرا أخذنا حقوقنا وإن كان شرا منعوه عنا؟ أين رقابتهم على البائعين، أم أن مفتشى الصحة والتموين لا يظهرون إلا لدواع خاصة بزيادة دخولهم؟ أين وزارة الصحة ومصلحة الطب البيطرى؟ أين الأحياء هل من حق أى شخص أن يقيم شادرا، ويضع لافتة تقول إن هذا العمل تحت رعاية المحافظ أو وزارة التضامن الاجتماعى؟ ألا يقرأ أحد من العاملين بالوزارات المعنية، وهل يحق لأحد أن يستخدم اسم وزير أو أى مسئول كما يحلو له، ألا يعد ذلك تزويراً؟ فإن كان ليس تزويراً هل هذا السماح خطوة لإباحة التزوير فى الأوراق الرسمية، ويمكن أن نجد فى الغد أحدهم موقعا على ورقة بدلاً من أحد الوزراء، ففى النهاية هى ورقة صغيرة، فإذا ما تم وضع اسم الوزير على لافتة بعرض أمتار، ولم يتدخل أحد ما المشكلة أن يتم وضع اسم الوزير على ورقة صغيرة؟ والسؤال الأهم من وجهة نظرى أليست هذه الوزارة بكل وزرائها من جاءوا ليحموا هذا الشعب من الفساد، فلماذا لا نرى شيئا ولا نسمع شيئاً، أم أن كل شيء حبر على ورق، والأوضاع صارت أسوأ، والغرض تكفيرنا فى أيام رمضان؟ اللهم أصلح أحوالنا وأرضى شرطتنا عن المواطنين الغلابة الذين يسرقون فى عز النهار بكل الطرق، يسرقون فى صحتهم وقوتهم حتى مساحات الرصيف للسير الآمن يسرقها منهم الباعة الجائلون، وهيا ندعو سويا للحماية من طوفان الأمراض الذى لا يعلم أحد متى يظهر فى أجسامنا غير الله علام الغيوب.