لم تنجح ثورة 25 يناير إلا لأن الأغلبية الساحقة ساندتها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.. الذين خرجوا إلى الميادين وحتى الذين بقوا فى بيوتهم يؤيدونها بقلوبهم ويبتهلون إلى الله أن تنجح خطوات شبابها فى الوصول بالبلاد إلى شاطئ الحرية والعدل.. بكل أمانة الكل كان ينتظر الثورة.. بوعى أو بدون وعى.. كان ضمير الشعب المصرى العظيم يتساءل متى ستقوم الثورة؟ فالثورة – أى ثورة- لها مقدمات وإرهاصات توفرت فى مصر بجلاء لا يحتاج عقل اللبيب ولا فطنة الألمعى، ونمت وترعرعت بفضل ممارسات النظام السابق العنيدة والمستهترة. أما المدهش فهو الأداء الرائع لشبابها فى بدايات الثورة.. ثقافتهم.. درايتهم.. وحكمتهم.. حتى المتمرسون فى المدنية والتحضر انبهروا بتحضرنا وإصرارنا على سلمية الثورة بشكل غلّ أيدى البطش عن التمادى فى غيِها. كان هناك منظومة راقية اتفقت عليها بغير عقد ولا قانون مكتوب عقول وضمائر هؤلاء الشباب حتى بدت وكأنها سيمفونية بغير مايسترو أو لوحة فنية رائعة تُرسم بأيدى الملائكة. لكن للأسف غلب طبع الشباب المتحمس والذى لا يخلو من الاندفاع تغذيه طبيعة الأجواء الثورية ذاتها على ما تُلى من أحداث. للأسف كثر الحديث عن الثورة المضادة والفلول دون أن يدرى بعض منتسبى الثورة أن بعض تصرفاتهم إنما تسحب من رصيد الثورة لدى المواطن العادى بشكل يذهلنى شخصياً.. أين حكمتكم؟ أين تنظيمكم؟ أرجوكم انتبهوا إنكم ببعض التصرفات إنما تسيرون بقطار الثورة إلى الخلف وتفقدون تعاطف الشارع الذى يكوّن بلبناته الهائلة مارداً يسميه البعض فى أدبياتهم المارد الشعبى. هذا المارد قد يهدى ثمرات الثورة فى ساعة حنق إلى من لا يستحقون.. الشعب المصرى بانى الأهرامات وبفضل طبيعته المستقرة بوادى النيل منذ آلاف السنين يعشق الاستقرار ويهمه بالدرجة الأولى تأمين قوت يومه. المسألة أصبحت أشبه بإعجابك بسائق سيارة سباق.. أنت معجب به بشدة لكنك أبدا لا توافق على أن يقود سيارتك!.. قد يكون هذا حال الشعب حين يختار قيادته وممثليه. أخشى أن تكون قلوب الشعب معكم وأصواتهم عليكم.. لقد انتهت بكل تأكيد اندفاعة الثورة الأولى.. وبدأت مرحلة السياسة.. والفرق واضح.. الثورة تحتاج إلى قوة التنظيم وتنظيم القوة.. أما السياسة فتحتاج إضافة إلى ذلك.. ذكاء لابد منه!! تحتاج السياسة إلى قرون استشعار تحس بنبض الشارع واحتياجاته الحقيقية فهى فن الممكن.. وبالتالى يجب أن يعى شباب الثورة النبلاء أن السياسة ليست إلا التطور الطبيعى للثورة فالثورة بمعناها المجرد كصوت عالى وحناجر تهتف لا يمكن أن تستمر إلى الأبد.. وإلا أصبح جموداً لن يُقبل من عامة الشعب. يجب أن يعى شباب الثورة الحقيقيين المثقفين أن هناك محاذير سياسية لا يجب التمادى فيها.. أهمها من وجهة نظرى المتواضعة أن لا يظهر الثوار بمظهر المُطالب الذى لا يقنع.. فالطريق إلى تحقيق المطالب أصبح واضحاً وهو صندوق الاقتراع، أيضاً عدم الوقوف بشكل عنيد أمام الجيش المصرى الباسل فالمواطن البسيط أدرك أن الجيش بات الحصن الأخير للبلاد لذا على الثوار أن يقرأوا ما بين السطور فالجيش لديه التزامات ومحاذير أيضاً كنتيجة طبيعية لوجوده فى السلطة المباشرة الآن لذا يجب التماس الكثير من الأعذار له.. كما يجب أن يكون راسخاً لدينا أن الجيش الوطنى لا يعمل إلا لمصلحة البلاد العليا.. وتلك هى قاعدة التعامل الذهبية التى يجب أن تسود لتصل البلاد إلى بر الديمقراطية والأمان. فللنظر إلى رئيس وزرائنا الذى خرج من رحم الثورة ولا أحد يشك فى وطنيته وصدق نواياه لنرى الدليل الدامغ على أن من كانت أيديه فى المياه الباردة لا يستوى مع من أصبحت أيديه فى أتون المسئولية.. هذا هو وضع الجيش الذى يجب أن يحافظ على توازنات كثيرة أشبه بمن يمشى على الحبال فى تلك المرحلة الفارقة. الخلاصة أنه ليس أمام شباب الثورة إلا الاستعداد ليوم الحسم عند أبواب قاعات الاقتراع فاستعدوا بزاد ينفعكم وينفع بلادكم التى نهتضم من أجل رفعتها وإلا قد تغدون أنتم – ويا للعجب – الثورة المضادة.. والواقف أمام الإرادة الشعبية بعد أن تبوح الصناديق بأسرارها!