• رأى سعيد شيوخًا كثيرين تعاقبوا على الجامع من أهل المنطقة.. كلهم كانوا لا يطيلون الخطبة يوم الجمعة ولا يطيلون الصلاة فى أى وقت.. لكن سعيد بعد أن بلغ الستين عاما انقطع عن الصلاة فى الجامع. • هرمنا ولم تعد بنا قدرة على السهر فى الزحام الذى صار لا يطاق فى القاهرة.. حين ذهبت إليه هذه المرة بعد انقطاع ثلاث سنوات وجدته متعبا.. جالس أمام التليفزيون يتفرج بشغف على برامج الأطفال التى تسبق مدفع الإفطار • ياراجل دا بيطول فى الركوع.. عارف يعنى إيه الركوع لو السجود ممكن نتحمل أهى دماغ الواحد على الأرض وساند على الأرض كمان بإيديه لكن الركوع وضهرى مكسور!! سعيد تعود أن يصلى المغرب قبل أن يتناول طعام الإفطار.. ينطلق المدفع فيتناول بسرعة كوبا صغيرًا من عصير قمر الدين أو أى عصير فى المنزل ثم يخرج إلى الجامع المواجه للبيت.. يقول إن الإفطار بعد الصلاة له طعم آخر.. كان أبوه يفعل ذلك ومنه تعلم هذه العادة. رأى سعيد شيوخا كثيرين تعاقبوا على الجامع من أهل المنطقة.. كلهم كانوا لا يطيلون الخطبة يوم الجمعة ولا يطيلون الصلاة فى أى وقت.. لكن سعيد بعد أن بلغ الستين عامًا انقطع عن الصلاة فى الجامع.. دعانى إلى الإفطار عنده فى رمضان حين عرف أنى مسافر إلى القاهرة لقضاء بعض الأعمال، هو أصلا بلدياتى من المحلة الكبرى التى تركها إلى القاهرة وراء العمل.. لا تنقطع زياراتى له حين أزور القاهرة، فى رمضان يكون الأمر مختلفا، يكون إلحاحه على لزيارته كبيرا.. وفى كل مرة بعد الإفطار نخرج معا إلى مقاهى الحسين، فى السنوات الأخيرة لم نعد نفعل ذلك، إذا ذهبت إليه أتناول الإفطار معه ومع أسرته ثم نسهر فى الشقة نفسها حتى السحور وننام، هرمنا ولم تعد بنا قدرة على السهر فى الزحام الذى صار لا يطاق فى القاهرة، حين ذهبت إليه هذه المرة بعد انقطاع ثلاث سنوات وجدته متعبًا، جالس أمام التليفزيون يتفرج بشغف على برامج الأطفال التى تسبق مدفع الإفطار فى بعض القنوات، سألنى عن أحوال الأسرة فقلت بخير. وسألته عن صحته فقال إنه يعانى من آلام مزمنة فى الظهر ولا يريد إجراء أى عملية، يتحايل على الآلام بالدهانات والحقن لكنه يرفض العملية، بعض الأطباء حذروه منها وبعضهم شجعوه عليها وضحك وقال: - طيب أصدق مين فيهم؟ ضحكنا وكانت ضحكته كما عهدتها منه طول العمرعالية صافية. دخلت زوجته وقالت لى: - عاجبك كده يا أستاذ أحمد، لسه مصمم يصلى فى الجامع وضهره بيوحعه، ربنا ادى للمريض رخصة إن شالله يصلى وهو قاعد لكن جوزى ما فيش فايدة دماغه ناشفة. ضحكت وقال هو: - خلاص خلاص مش رايح، اعملى لنا شاى ولا حاجة. نظرت إلينا مبتسمة فقال: - آه صحيح لسه ما فطرناش، ضحكنا وقلت له إن زوجته على حق ثم سألته: - لكن للدرجة دى الصلاة فى الجامع بتتعبك؟ سكت لحظة وقال: - الشيخ هو اللى تاعبنى - أى شيخ؟ - شيخ الجامع، أنا مش فاهم إزاى بيعمل كده. ابتسمت مندهشًا وقلت: - بيعمل إيه؟ - بقاله سنين كل جمعة يقول "اللهم العن اليهود والنصارى". والمصيبة إن العمارة اللى جنب الجامع تقريبًا كلها نصارى. - حصل مشكلة؟ - لا، عزّلوا من الحتة كلهم، كدت أضحك لكنه قال: - كان فيهم ناس عزاز على أوى لكن مش دى المشكلة. اندهشت أكثر وسألته: - فيه أكتر من كده؟ هز رأسه وقال: - يوم الجمعة بيطول فى الخطبة أوى ويطول فى الصلاة كمان، - طيب حد يوجهه بس، ينبهه إن فيه ناس تعبانة وخلاص. - ما بقتش أصلى الجمعة فى الجامع ده، الجامع التانى بعيد شوية بس مش مشكلة لسه باقدر أمشى. - طيب كده خلاص، مافيش مشكلة. - أنت عارف إنى باحب أصلى المغرب وبعدين ارجع أفطر، أروح جامع بعيد واللا قريب؟ طبعا قريب الحق آكل مع ولادى اللى بيستنونى. وسكت لحظات ثم قال كأنه يحدث نفسه "ركبنى ذنب منه لله" ابتسمت وقلت: - حصل أيه؟ -استحملت الكام يوم اللى فاتو لحد إمبارح. - استحملت إيه. - الصلاة وراه طبعا، ياراجل دا بيطول فى الركوع، عارف يعنى إيه الركوع، لو السجود ممكن نتحمل أهى دماغ الواحد على الأرض وساند على الأرض كمان بإيديه لكن الركوع وضهرى مكسور!! وسكت من جديد وبدا فى أسف حقيقى.. ثم راح يكلم نفسه من جديد: - ركبنى ذنب منه لله. حصل أيه بس يا سعيد؟ اتخانقت معاه؟ - ياريت. - كلمته وغلط فيك؟ - ياريت. - الله.. طيب حصل أيه ياجدع؟ وعادت زوجته الينا ضاحكة وقالت: - طيب احكى للأستاذ أحمد عن اللى حصل، والله ماحصل حاجة وربنا حيغفرلك، توقعت أن يكون سعيد قد فعل شيئا مضحكا لا شيئا جادا، ابتسمت وسألته: - عملت أيه ياجدع؟ - إمبارح طوّل أوى فى الركوع وضهرى تاعبنى جدا ومش سامع بيقول إيه من الألم، كنت حاقع. لاقيت نفسى باقول للى جنبى هو بيقول إيه الراجل ده؟ انطلقت أضحك غير مصدق وهو بدوره راح يضحك وزوجته لا تزال واقفة تضحك وقالت: - استنى يا أستاذ أحمد شوف اللى جنبه قال إيه. قلت مندهشًا: - اللى جنبك رد عليك؟ نظر إلى سعيد نظرة طويلة تألقت فيها عيناه وقال وهويحاول أن يمنع نفسه من الضحك: - الل يجنبى رد عليا وقال لى سيبك منه خليك فى حالك دا راجل ابن..... وشتم الراجل الشيخ. لم أستطع السيطرة على نفسى من الضحك، وقالت زوجته: - غلطان هو والنبى كده واللا اللى جنبه؟ لكنى ظللت أضحك للحظات وانطلق مدفع الإفطارفوقف ومد يده سحب المصلية من ركن جوار الحائط وفردها على الأرض ووقفنا نصلى معًا وخرجت زوجته تنتظرنا مع الأولاد فى غرفة الطعام، سألنى: - تصلى أنت بينا؟ قلت مبتسما: - لا، حضرتك النهارده الإمام.