منذ نجحت ثورة 25 يناير فى إقصاء رأس النظام عن الحكم وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة أمانة الحكم حتى يتم تسليمها إلى حكومة منتخبة، انشقت الأرض فجأة عن عشرات الأحزاب والائتلافات والمجموعات، وكل منها يزعم أنه يعبر عن الثورة ويحميها، وسرعان ما دب الخلاف والشقاق فى صفوفهم لا لشىء سوى أن كل فريق يريد أن ينفرد بالزعامة عنوة، ويعمل على تنحية الآخر أو تهميشه، ولم نعد نميز زيدا من عبيد. والحال كذلك سوف تذهب ريح هؤلاء جميعا سدى، ولن تتحقق أهداف الثورة فى الحرية والعدالة والتغيير. ويبدو واضحا أن فشل التحالفات أو الجبهات فى مصر خصوصية ثقافية، ففى التاريخ السياسى العالمى نشأت تحالفات دولية منذ عام 1815 لتحقيق أهداف محددة ضد أطراف أخرى ربما كان آخرها التحالف الدولى، الذى قادته أمريكا لغزو أفغانستان (أكتوبر 2001) ثم العراق (مارس 2003)، وذلك فى ضوء تغير موازين القوى وتوازناتها. وثمة تحالفات تنشأ داخل المجتمع الواحد بسبب تعارض المصالح الطبقية. ففى روسيا تشكلت جبهة ائتلافية تمثل أحزابا معتدلة (برجوازية) ضد حكومة القيصر نجحت فى تشكيل حكومة جديدة (مارس 1917)، وفى إيطاليا الفاشية وألمانيا النازية قامت سلطة الحكم على تحالف قوى سياسية ضد الرأسمالية فى كل منهما، وفى فرنسا تكونت جبهة شعبية (1935) ضمت عشرة أحزاب يسارية ضد الفاشية، ونجحت فى تكتيل الجهود ووصل زعيمها (ليون بلوم) إلى رئاسة الحكومة. وجميع تلك التحالفات نجحت فى تحقيق أهدافها رغم التناقضات بين المتحالفين لأنها تكونت على أساس تحقيق هدف جزئى محدد وليس لتحقيق أهداف استراتيجية كبيرة. والخطوة الأولى لنجاح التحالف بين المتناقضين أنهم عندما يجلسون للاتفاق ينسى كل منهم فلسفة جماعته وحزبه ويتكلم فقط فى كيفية تحقيق الهدف المحدد الذى اجتمعوا بشأنه. أما فى مصر فإن الحياة الحزبية تتعثر ومحاولات تكوين الجبهات تفشل بسبب سيطرة الفردية والذاتية على العمل السياسى، بل إن القوة الواحدة تتفتت إلى مجموعة قوى متناحرة. فمثلا فإن حزب الوفد الذى جمع حوله أبناء الوطن حول الاستقلال وجلاء الإنجليز (1918) سرعان ما انقسم أعضاؤه على أنفسهم ودبت الفرقة بينهم وتبعثروا بين أكثر من حزب (الأحرار الدستوريون 1922)، وحزب الشعب (1930)، والهيئة السعدية (1938)، والكتلة الوفدية (1943)، ثم الطليعة الوفدية (1948). والحزب الشيوعى المصرى الذى نشأ فى 1921 حزبا واحدا سرعان ما انشق على نفسه وخرجت منه عدة مجموعات، وكذلك الحال فى جماعة الإخوان المسلمين. وفى التاريخ المعاصر الذى نعيشه منذ استعادة الحياة الحزبية زمن السادات (1978) نشأ حزب الوفد الجديد وسرعان ما خرج منه حزب الغد، وحزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى خرج منه الناصريون وشكلوا حزبا، ثم خرج من الناصريين مجموعات: الكرامة، وحزب مصر العربى الاشتراكى وغيرهما. ومؤخرا خرج من حزب التجمع: التيار الثورى، والتيار الاشتراكى، واليسار الجديد. والمثير فى كل هذا أنه بعد أن تحدث تلك الانشقاقات نجد أن المنشقين يتنادون لتكوين جبهة واحدة. وهنا لا بد أن نضحك بدلا من أن نموت كمدا كما قال يوسف إدريس.. ألم تكونوا جماعة واحدة من قبل.. فلماذا انشققتم ثم تريدون العودة مرة أخرى. وفى هذه المحاولة من إعادة التجميع تحت اسم التحالف أو الجبهة يجلس المتنادون، وكل منهم يريد أن يفرض شروطه وتوجهاته على الآخرين فتفشل المحاولة وتتحطم على صخرة الفردية والذاتية والنزوع للزعامة وعدم التضحية بشىء من الخصوصيات فى سبيل تحقيق هدف أكبر.