اليوم، أصبح الجميع مُدان أمام مصر، فلن تغفر لنا الذنب الذي ارتكبناه في حقها، فباتت تُدرك أن هناك محاولات لإجهاض ثورة حريتها وعزتها، وأن أبناءها مشاركين في هذه المحاولات ومغيبين عن الحقيقة. فشباب الثورة مُدان، لأنه يأخذ بيد الثورة إلى الانحدار بسبب الاستعجال في تنفيذ مطالب وأهداف الثورة، وتعدد وسائل التعبير عنها وخروجها عن نطاق التظاهر في ميدان التحرير، حتى أصبحوا مغيبين ومعتبرين القوات المسلحة خصوم لهم ونسوا أنهم شركاء في الثورة، فتوجه الثوار من ميدان التحرير في مسيرة تضم الآلاف إلى ميدان العباسية للاحتجاج أمام وزارة الدفاع أو المجلس العسكري، مما أعطي الفرصة للبلطجية المأجورين بمهاجمتهم والاعتداء عليهم من أجل تأزم الموقف بينهم وبين المجلس العسكري. والحكومة مُدانة، لأنها لم تنجح حتى الآن في التطهر من بقايا النظام السابق، الذين يحملون ملفات الفساد، ويريدون التغطية عليها ودفنها، ويتبعون نفس سياسات النظام السابق في إدارة شئون البلاد من البطء الشديد وعدم وضوح الخطط والسياسات والاختفاء عن الساحة وعدم التواصل مع المواطنين ومطالبهم، بل عملوا على الحفاظ على الصفوف الخلفية –التي كانت أساس الفساد- داخل وزاراتهم ومؤسساتهم، ورغم ما وفرته الحكومة من تمويل لمشروع رعاية أسر الشهداء والمصابين إلا أنها لم تضمن وصول الحق لأصحابه، وأصبحت وظيفة الحكومة هي تبديل الوزراء كل يومين دون الاعتماد على الكفاءات ودون تغيير الصفوف الخلفية ودون تغيير السياسات. أما المجلس العسكري فأيضاً مُدان، لأن قوات الجيش والشرطة العسكرية لم تحمي المتظاهرين من اعتداءات البلطجية في ميدان العباسية، ولم تقبض على البلطجية لتحويلهم إلى المحاكمة،،، فقد أخطأ المجلس العسكري حينما تصور أن موقفه الحيادي المستمر سوف يكون في صالحه، لأنه أدى إلى ظهور اتهامات بأن قوات الجيش وقفت موقف المتفرج من اعتداءات البلطجية والتي أدت إلى إصابة أكثر من 300 مواطن وتخريب المنشآت الخاصة،،، كما أن المجلس العسكري مسئول عن إدارة شئون البلاد على كافة المستويات، وبالتالي فإنه مسئول أمامنا عن إعادة المسئولين الهاربين في الخارج والمحكوم عليهم، أمثال وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي، ووزير الصناعة الأسبق رشيد محمد رشيد، ورجل الأعمال حسين سالم، وغيرهم، وذلك من أجل تنفيذ أحكام العدالة فيهم واستعادة ثقة المواطنين والتي باتت مهددة،،، كما أدى اتهام المجلس العسكري لحركة 6 إبريل بأنها تُحرض على إحداث الوقيعة بين الجيش والشعب دون وجود إلى زيادة الاحتقان بين المجلس والقوى السياسية. كما أن وزارة الداخلية مُدانة، وموقفها يمثل "الفضيحة والمصيبة الكبرى التي ليس لها مثيل"، فلم نرى لها عسكري واحد في أرض معركة العباسية، فقد تجاهلت عن عمد دورها الأساسي في حماية أمن البلاد ومواطنيها بعد الثورة، ولا نعرف حقيقة أسباب هذا الموقف، وما إذا كان عقاب من قيادات الداخلية للمصريين جميعاً لأنهم قاموا بالثورة؟، أما أنه تعود على فكر معين قد زرعه وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي فيهم على مدار 14 سنة؟، فأصبحوا مُدركين أن دورهم هو نشر الفوضى وليس الأمن،،،، وحقيقةً فقد فقدت الأمل في وزارة الداخلية تماماً. أما الأحزاب والقوى السياسية أيضاً مُدانة، فقد اقتصر دورها على استعراض قوتها أمام بعضها وأمام الجيش، فهو الدور السلبي الذي اعتدنا عليه منذ عهد النظام السابق، ولم يتغير شيء سوى زيادة أعدادها،،،، وفشلت في تنمية وعي المواطنين والثوار بحقيقة المؤامرات التي تُدبر لإفساد العلاقة بين الجيش والثوار، وكان عليها أن تلم شمل الجميع ولكنها لم تفعل،،،، فأتوجه إليها بكلمة "فإما أن تقم بدور إيجابي، وإما أن ترحل عنا وعن عقول شبابنا". البلطجية مُدانون، ولكني لا أملك أن أخاطب عقولهم، لأنهم يملكون عقول لا تعرف سوى الانتماء للمال وليس للوطن، عقول تحكمها المصالح الخاصة، وتجعلهم عبيداً لمن يدفع أكثر لكي يخربون بلادهم، وأصبحوا الأداة التي يستخدمها فلول النظام في نشر الفوضى والاعتداء على الثوار وإجهاض الثورة، فهؤلاء الأشخاص لا يستحقون سوى السجن أو الإعدام من حماية الثورة منهم. القوى والدول الخارجية وعلى رأسها العدو الأول (إسرائيل)، فهذا العدو يتمني في كل لحظة إفشال الثورة المصرية، ولم يدخر أي جهد في تحقيق هذا الهدف، فحاولت أن أفكر للحظة في أسباب الصدفة الغريبة التي جمعت بين يوم الاحتفال بذكرى ثورة 23 يوليو التي قادها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر -العدو الأول لإسرائيل- وبين موقعة العباسية التي كادت أن تتحول إلى كارثة،،، فمن الواضح أن القوة الخفية التي تدخلت أرادت أن تحول ذكري هذا اليوم خلال السنوات القادمة من الاحتفال بثورة مجيدة إلى الحزن على ذكرى أحداث أليمة، فإن هذا يمثل العبث بتاريخنا ومحاولة لمحو ذكرى عظيمة، ولكنها فشلت. الجميع مُدان، والجميع عليه إصلاح تبرئة نفسه، فعلى المجلس العسكري أن يتدخل لإسراع محاكمات قتلة الثوار ورموز النظام الفاسد الذين لم نسلم من شرهم قبل وبعد الثورة، وعلى الحكومة أن تعمل على تغيير السياسات وليس الأشخاص، وعلى الثوار –إذا أرادوا الاستمرار في الاحتجاج- عدم الخروج من ميدان التحرير لأنه مكان آمن بالنسبة لهم، ولو أن الوضع الآن يتطلب إخلاء الميدان من أجل تجنب أي عمليات فوضي ثانية، وتجنب تحويله إلى متجر للباعة الجائلين، فهذا الميدان أصبح له تاريخه ومكانته التي لابد أن نحافظ عليها. حمى الله مصر وشعبها وجيشها وثورتها العظيمة.