منذ ما يقرب من خمسة آلاف عام ومصر تعيش تحت مظلة حكم الفرد الديكتاتورى سواء باستخدام القوة الدينية أو القوة البوليسية، وكلاهما للسيطرة على مجريات الأمور ومصائر الناس، وظل الشعب طوال هذه المدة مستكينا وضعيفا ولم يأت فى ذهنه قط أن يثور على حاكمة إيمانا منه (أى الشعب) أن كل شىء تمام أو ما باليد حيلة، أو تعمل ايه المشطه فى الوش العكر، وكثيرا من هذه الأمثلة الهدامة التى زرعتها تلك الأنظمة الديكتاتورية داخل عقول شعوبها لإحباطها وزحزحة ثقتهم بأنفسهم بالقدرة على التغيير لحياه أفضل وأكرم. وكان أقصى أمانى الناس فى قدرتهم على التغيير ازاى يكسب صاحبه فى عشرة طاولة ويدفعه المشاريب أو ازاى يأخذ عمولات، أو ازاى ينافق رئيسه، أو ازاى يتجوز، أو ازاى يفضى نفسة يوم الخميس، حتى جاء يوم 25 يناير، وثار الشعب المصرى على حاكمه للمرة الأولى فى تاريخه، وقرر أن يحكم نفسه بنفسه، ويختار من يحكمه، وقام بالثورة لتغيير كل المفاهيم السياسية والدينية والاجتماعية التى زرعها فيه النظام الديكتاتورى، وسن مفاهيم جديدة صحيحة للمبادئ والأخلاق، ولكن عجبا! فقد رأيت فى الآونة الأخيرة بعد الثورة أن النظام القديم لم يتغير، وأن الناس أنفسهم لم يتغيروا، وكأن شيئًا لم يكن سوى أن الشعب قدم شهداء قربانا للنظام. فمازال الفقير يزداد فقرا، والغنى يزداد غنى، فالنخب اللذين كانوا مواليين للنظام هم أنفسهم النخب المؤيدة للثورة، تجردوا من ملابسهم القديمة، ولبسوا الأقنعة الجديدة، قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار) صدق الله العظيم. لقد أعطاهم الله قدرهم الحقيقى فهؤلاء النخب كانوا ومازالوا للأسف أعمدة النظام الحاكم فتشاهد اليوم فى التليفزيون الذى كان يسبح بحمد النظام القديم (وليس الساقط.. لأنه لم يسقط بعد) هو نفسه الذى يسبح للثورة شىء لا يصدقه عقل. فهؤلاء يلعبون الدور ببراعة بالغة فى كل الأوقات سواء كان تطوعا أو بأجر، فبرامج التوك شو الموالية والمدعية المعارضة للنظام القديم والممثلين، ورؤساء النقابات ولاعبى ومقدمى البرامج الرياضية وبعض المفكرين ورجال الدين والسياسيين ورؤساء الأحزاب الكرتونية، هم الآن مؤيدون للثورة بحماسة، ولا تزال أجورهم بالملايين، فى حين أن الشعب بأكمله لا يملك قوت يومه فشىء لا يصدقه عقل حتى بعد الثورة، تسمع أن مذيعا يأخذ راتبا قدره 2 مليون جنيه فى السنة، أو سبعة ملايين، وأحيانا عشرة ملايين، أو لاعب كرة انتقل من ناد إلى آخر بعشرين مليونا، أو صحفى يكتب فى كل الجرائد اليومية والأسبوعية، أو يحكى حواديت للأطفال، أو مدير بنك بعشرين مليون جنيه فى الشهر، أو مقدم برامج رياضية يسهرنا لحد الصبح فى لت وعجن واللى يعيد فيه يزيد فيه!! من يدفع لهم كل هذه الأموال، فهؤلاء يأكلون على كل الموائد، والطبالى وللأسف الشديد أن معظمهم إن لم يكن كلهم لا يفهمون المهنة والوظيفة التى يمارسونها، هم يفهمون فقط الدور الموكل إليهم والسبوبة, هذا هراء!! إن الثورة قامت ليسقط النظام وليس شخصا معينا، وهؤلاء هم أركانه، فلا بد أن يسقطوا معه، إن الاحتفاظ بهؤلاء فى أماكنهم خطر على بناء مصر من جديد، هم مثل تماثيل الأوشابتى فى مصر القديمة، فكل فرعون كان له خدم يسميهم أوشابتى يذهبون ويأتون معه أينما كان حتى بعد مماته، يدفنوا معه بجوار القبر الملكى، فيجب أن يرحلوا مع النظام القديم. إن أهم شىء الآن هو إعادة بناء مصر من جديد يجب تغيير كل الوجوه القديمة الرائدة والموالية للنظام القديم، إن الثورة ليست ثورة سياسية لإسقاط نظام سياسى فقط، بل ثورة ثقافية واجتماعية وعلمية ودينية، فهؤلاء النحيتة يجب استئصالهم فورا وحتما حتى تستقيم الأمور. يجب تغذية المجتمع بدم جديد وطنى وثورى يواكب الثورة التى قدم شعبها ما يزيد عن ألف شهيد وسبعة آلاف مصاب، قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) صدق الله العظيم.