بأنامله التى تشبه أنامل جراح ماهر يكتب محمد إبراهيم تاريخ ما يزيد على سبعة آلاف عام فوق رماله الملونة التى يعبئها فى زجاجات تشبه زهرة اللوتس، فتبهر عيون السائحين من كل جنس ولون على مقربة من سوق سافوى فى الأقصر. فى مواجهة صف طويل من البازارات السياحية التى تشتهر بها المدينة المصرية القديمة يجلس محمد كل صباح أمام أكوام من رمال الجبل الملونة، ليرسم تاريخ بلدته القديم بالأزرق النيلى وبأصفر الصحراء الساحر وبالأحمر الجرانيتى، سعيدا بما يحصل عليه من نظرات الإعجاب والدهشة التى يلقيها عليه العابرون إلى السوق القديمة. تحتاج صناعة الرسم بالرمل، حسبما يقول العاملون بها فى مدينة الأقصر، إلى مهارة من نوع خاص، وهى المهارة التى تحول دون اختلاط ألوان الرمل المختلفة والسيطرة عليها، ويقول محمد إبراهيم إن الرسم بالرمال استهواه منذ سنوات، حتى هجر عمله الحكومى واحترفها، فهى على صعوبتها لا تخلو من ذوق وفن. ويحاكى فنانو الرسم بالرمال فى المدينة السياحية العريقة فى مصر مناظر طبيعية عدة، تحكى قصة تاريخ بلدتهم التليد، وتقوم على إدخال كميات من الرمال الملونة بقدر معلوم داخل قوارير زجاجية تتخذ أحيانا شكل زهرة اللوتس الفرعونية الشهيرة، وأحيانا أخرى أشكالا عربية مختلفة، فهذا جمل تائه بين صحراء متناهية الصفرة، وتلك معابد أبى سنبل الشهيرة تلوح فى أفق أزرق صاف، وهذه واحة نخيل إلى جوار الأهرامات الثلاثة، أعجوبة الفراعنة وإحدى عجائب الدنيا السبع. ولا يتطلب الأمر، حسبما يقول إبراهيم، سوى أن يراعى المشتغل بتلك المهنة التنسيق بين الألوان وعدم اختلاطها قبل تثبيتها بعد انتهاء المهمة، بنوع من الصمغ البلدى يتم الحصول عليه من أشجار السنط المنتشرة فى الجنوب، لتتحول القارورة إلى تحفة فنية بديعة المنظر، ويحصل رسامو القوارير فى الأقصر على المواد الخام من أشكال الرمال المختلفة المتوافرة فى جبال الجنوب، والتى تتراوح بين الأصفر الصحراوى والأحمر الأرجوانى والأزرق الذى يشبه إلى حد كبير زرقة النيل قبل أيام الفيضان القديم، ولا يخلو الأمر من استخدام بعض الألوان الطبيعة فى الحصول على درجات لونية أخرى تصبح بعدها الرمال جاهزة للتشكيل. وحسبما يقول إبراهيم، فإن تاريخ مصر كله ترسمه الرمال فى قارورة من زجاج ملون.