"الإخوان فين.. التحرير أهو".. هذا الشعار الذى أطلقه البعض بميدان التحرير فى جمعة الغضب الثانية يعكس حالة الفرقة التى ترسخت فى الآونة الأخيرة، وجعلت هذا اليوم يتحول إلى موطن للمعارك السياسية بين رفقاء الثورة بعد أن كان يوم الجمعة وميدان التحرير كلمتى السر لنجاح الثورة. هذا الشعار وغيره من الكلمات الغاضبة من نخب مثقفة وغير مثقفة ضد جماعة الإخوان المسلمين بسبب إعلانهم عدم المشاركة فى المظاهرات تؤكد أن هناك تربصا من بعض القوى "النخبوية" للإسلاميين بشكل عام وللإخوان بشكل خاص، وبدلا من أن تركز هذه القوى للدفاع عن مكتسبات الثورة حاولت استغلال الحشود التى حضرت لكى تصل إلى هدفها الحقيقى وهو أن تثبت أن "الإخوان وحشين وضعفاء وغير مؤثرين وأنه يمكن فعل الأفاعيل بدون هؤلاء الوحشين". وصبوا جم غضبهم ولعناتهم على هذه الجماعة التى تريد أن تقفز على الثورة، رغم أن قوى سياسية أخرى مثل حزب الوفد الذى أجرى انتخابات الهيئة العليا فى نفس اليوم وعدد ليس بقليل من ائتلافات شباب الثورة رفضوا المشاركة, ولكن سهامهم تعرف طريقها جيدا فهى توجه نحو القوة التى يريدون أن تتحول إلى فزاعة. وقد تابعت عددا من استطلاعات الرأى على أفضل موقعين مصريين على الإنترنت فوجدت أن استطلاعا أشار إلى أن 62 % أيدوا المشاركة و32% رفضوا، فى حين أشار موقع آخر أن 42% تقريبا أيدوا المشاركة و58 % رفضوا, أى أن المؤشرات تشير إلى عدم وجود إجماع على المظاهرات، فهل يعنى ذلك أن الرافضين لمظاهرات الجمعة الماضية خونة وضد الثورة ؟!. وإذا كان مئات الآلاف خرجوا فى مظاهرات الجمعة الماضية كانت مطالبهم واضحة ومهمة وهى حماية الثورة والضغط على من يديرون الوطن فى المرحلة الانتقالية "الجيش ووزارة عصام شرف"، لتنفيذ مطالب عادلة وأهمها تحقيق الأمن وسرعة محاسبة الفاسدين وتحسين الاقتصاد، فهل يعنى ذلك أن الذين لم يشاركوا من الإخوان وغيرهم من القوى السياسية وملايين المصرين الذين جلسوا فى منازلهم لا يريدون نفس المطالب؟. الإخوان المسلمون قاموا على سبيل المثال فى محافظة الإسكندرية بفعاليات ساخنة وقوية طوال الأسبوع الماضى لحماية الثورة منها حزام بشرى شارك فيه عشرات الآلاف, ورفعوا نفس اللافتات والشعارات والمطالب التى رفعها الثوار يوم الجمعة الماضية التى شارك فيها أيضا الآلاف من شباب الإخوان بصورة فردية والذين ينتمون إلى ائتلافات الثورة أو من خارجها فى القاهرةوالإسكندرية والمحافظات الأخرى، وذلك رغم قرار مكتب الإرشاد الرافض للمشاركة. محاولة احتكار البعض للثورة أكبر مشكلة تواجهنا بعد تنحى مبارك وتحديدا منذ استفتاء التعديلات الدستورية الذى استدعى الصراعات السياسية مبكرا وأشعل التأزم بين القوى الثورية والتيارات الوطنية حول خارطة الطريق لبناء دولتنا على شعار ثلاثى رددناه من القلوب " تغيير.. حرية.. عدالة اجتماعية". كنا نحلم جميعا فى ميدان التحرير - عندما كان رمزا للوحدة - بوطن يسع الجميع بدلا من شلة اللصوص والقتلة الذين احتلوه طوال 30 عاما.. ولكن تحول ميدان التحرير الآن فى معظم حالاته إلى رمز للفرقة والهجوم المتبادل بين التيارات المختلفة. ولن تقوم للثورة قائمة إلا بعد عودة الجميع إلى أجندة الوطن الواحد ولا سيما فى المرحلة الانتقالية بدلا من الأجندات الخاصة التى يريد أن يفرضها البعض علينا.