عندما تذهب للصيدلية لشراء دواء محدد لعلاجك من داء معين بعد أن تكون قد استشرت طبيباً أو أكثر، فتفاجأ بالصيدلى وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة ذات مغزى متحدثًا إليك بنبرة توحى بالثقة، بأن لديه البديل، وينصحك به لأنه أرخص وأسهل وأقل ضرراً..! وفى كل مرة تأخذ فيها الدواء البديل يتبادر إلى ذهنك تساؤل مٌلح، لماذا لم يكتبه لى الطبيب من البداية؟ ودائماً ما لا تجد إجابة على سؤالك أو تكتشف المصيبة بعد فوات الأوان، ويكون المرض تمكن منك، والبديل قد قضى على ما تبقى لديك من صحة وعافية! ومنذ أن خرج علينا الرئيس السابق بتصريحه الشهير عن رغبته في ترك الحكم إلا أنه يخشى على مصر من الفوضى بديلاً لغيابه! ونحن نعتنق سياسة البديل، ولا تكاد أحاديثنا اليومية تخلو من آراء متباينة، بعضها يئن من حالة الفوضى والانفلات الأمنى والاجتماعى، والاعلامى أيضاً، وقد تجد أصواتاً متفائلة بمستقبل آمن ولكنه تفاؤل مشوب بالحذر، وستجد من يقارن لك بين عصر مضى وأيام نعيشها الآن، وستجد أيضاً من يحاول أن يعيدك إلى الخلف بدعوى الاستقرار، وهى كلمات حق يراد بها باطل، فلا أحد منا يريد فوضى وفتنة طائفية وانفلات أمنى، و فى ذات الوقت لا نريد العودة للخلف.. للظلم.. للقهر والفساد، لأننا ببساطة شديدة دولة عظيمة لا يستحق شعبها الدواء البديل أو الحلول الوسط كما إعتدنا دائماً. فلماذا نُخير بين استقرار أمنى مع فساد وقمع؟ ولماذا يكون البديل ديمقراطية وحرية مع انفلات أمنى وفوضى محتملة، بينما الأصل أن نكون دولة مستقرة ديمقراطية آمنة دون إضافات؟ أعتقد أن سياسة البديل التى أصبحنا نستسهل تعاطيها هى أحد أسباب تردى الأوضاع، فبعد الثورة كان علينا أن نعمل ونعوض ما فات، ونحافظ على انبهار العالم بنا ولكننا اخترنا البديل.. مطالب فئوية تحولت إلى حلقات سباب جماعى للوزراء والمسئولين، وعاطلون بالإرادة لا بالوراثة يطالبون بزيادة مخصصاتهم دون عمل أو إنتاج! ومصريون يتراشقون بالحجارة فى ميدان التحرير الذى جمعهم على مدار 18 يوماً كانت أياديهم متشابكة وقلوبهم مطمئنة ونواياهم خالصة لهدف واحد صمدوا من أجله حتى تحقق، فما الذى تغير فينا حتى نمزق وحدتنا بأيدينا على هذا النحو المخزى؟! فى أحداث إمبابة اخترنا البديل، أرسلنا رجال الدين وشخصيات عامة تتبادل القبلات وحديثا عن الوحدة الوطنية فى الفضائيات موجه لمن لم يشارك فى الأحداث، بل ويتألم من أجلها فيزيده الخطاب ألماً ويضعف من ثقته فى الأمن والاستقرار، بينما تركنا الجناة فى الطرقات يتصايحون ويتراشقون بالحجارة والأسلحة! أخذنا البديل وتركنا الأصل، وهو تطبيق القانون بكل شدة وحسم وفى حينه لا بعد أن نجرب البديل! فى أحداث قنا تكرر نفس الأمر، وذهبنا إلى البديل أيضا فتم تجميد عمل المحافظ ثلاثة شهور، بعد إيفاد شخصيات عامة ورجال دين ودنيا! والبقية معروفة للجميع. ومع تعاطينا الدواء البديل فى قنا ومن قبلها أطفيح وإمبابة فقدنا قدرا لا بأس به من هيبة الدولة. شكلنا لجنة للحوارالوطنى وفشلت فشكلنا غيرها فتجمدت! ثم اخترنا البديل قوانين تصدر وقرارات مصيرية تتخذ، واللجنة تقرأها مثلنا فى الصحف اليومية! فى أحداث غزوة الجمل وغيرها من الغزوات المتتابعة، التى أبتلينا بها مؤخراً يتم تشكيل لجان تقصى حقائق من رجال قضاء سابقين وحاليين وشخصيات عامة وخاصة إن لزم الأمر، لجمع المعلومات والتحرى وهى فى الأصل مهمة الشرطة، ثم بعد انتهاء عمل اللجنة يخرج علينا مسئول بتصريح رسمى بأن قرارات لجان تقصى الحقائق استرشادية وغير ملزمة لجهات التحقيق! فلماذا لجئنا إلى هذا البديل على الرغم من وجود وحدة تحريات عسكرية ونيابة عسكرية وجهاز أمن وطنى وهيئة للأمن القومى؟ ولماذا لم يتم الاستعانة بكل ذلك حتى تسترد الشرطة قوتها المعنوية، وثقتها فى نفسها إن كانت تريد ذلك بالفعل! إن الإصرارعلى سياسة البديل، واعتناقها إلى هذا الحد، بات يشكل ظاهرة خطيرة سيترتب عليها نتائج لن تحمد عقباها أبداً ومصر لا تستحق منا ذلك، فلا أحد يريد جنة استقرار مع فساد، وأيضًا لا جنة ديمقراطية مع فوضى وانفلات، ومع تدهور حالتنا الاقتصادية ووقوفنا عند مفترق طرق، بات لزامًا علينا أن نقرر الآن إما العمل وإما النهوض وإما استمرار تعاطى الحل البديل! أعتقد أن غالبيتنا تريد أن نكون أمة عاقلة متحضرة.. منتجة.. متحررة عقلاً لا جسداً فقط.. تشخص الداء بدقة وتصمم على الدواء الأصلى مهما كان البديل مغرياً، نريد لمصر أن تكون بلداً مستقراً بدون قمع أو فساد، ودولة مدنية ديمقراطية بغير بلطجية أو لحية وجلباب.