تعمد القاصة سهى زكى فى مجموعتها الجديدة "كان عندى طير" الصادرة عن "دار العلوم" إلى تصوير غربة الذات وانفصالها عن واقعها المعاش، وارتدادها فى الزمان مرة وفى المكان أخرى، لتؤكد على ما تعانيه هذه الذات من قهر وعدم تكيف مع هذا الواقع. المتوقع من كاتبة شابة أن تصور همومها وصراعاتها وأحلامها وآمالها بصوت الأنثى وعلاقتها بالآخر الذى يفترض أن يكون الرجل، إلا أنها تفاجئنا بتقمص صوت الرجل، والتحدث باسمه، وتصوير علاقته بالآخر الذى هو المرأة، كما قدمت الكاتبة رؤية للعالم تنحو إلى الرومانسية. معظم شخوص المجموعة منفصلون بطريقة ما عن عوالمهم الطبيعية، إما غيبهم الموت أو المرض العقلى، أو غيبتهم الكاتبة بوضعهم فى مواقف تبعد عن الوعى والمنطقية والعقلانية، فنجدهم يلجأون إلى ما يُسمى بالسحر أو القوى الغيبية لحل أزمات الواقع، فنجد الأطباء فى قصة "طقوس" يمنعون الحبيب من بذل أى جهد، وفى قصة "عودة بائع الملح من الرمال المتحركة" تبدو الأحداث سريالية وغير منطقية، ونجد البطل يقرر أننا تحولنا جميعاً إلى مسوخ مشوهة ومرعبة. فى مجموعة "كان عندى طير" اتخذت اللغة طابعاً موازياً للأفكار المطروحة فى ثنايا السرد، فنجدها تبتعد قليلاً عن البساطة، اهتماماً بالمجاز والبلاغة التقليدية، مما جاء عبئاً على النصوص السردية وليس فى صالحها كثيراً، تقول فى قصة "ساقى الخمر لا يشربها": "أصبحت عقرباً يقف فى وكر الأفاعى غير السامة.. يرقصون بنعومة، ليس لهم أسنان أو لسان، ولا حتى جلد ناعم يثير قشعريرة فى جسد أحد، إنهم أفاعٍ بلا معنى". فى قصص "كان عندى طير"، ثمة تواصل لغوى يندرج تحت خطاب النص السردى، ثمة بوح وغزارة فى المعانى والضربات والخواتيم المفاجئة وانزياح للمشاعر وذكريات الطفولة المرة. نجد أن سهى زكى تبذخ فى تدوين الانكسارات والاندحارات اليومية بشكل يوحى بعصر من الآمال المفقودة والحكايات المدمنة حزناً، نجد البوح الهادئ الحزين والاغتراف من اللاوعى وهو ما أخذ حيزاً مهماً فى المجموعة، إن اللاوعى كان وراء الكاتبة فى تدوين القصص وخاصة ما كان مؤلماً منها. وحسب ما كان فإن بنية اللاوعى شبيهة ببنية اللغة، مما حوّل كل الحكايات إلى تصوير لتلك الغربة للذات فى المكان والزمان، وبحثت الكاتبة بشكل لافت عن المهمشين الذين نسيهم الزمن، حتى إنها صورت الكثير من الشخوص الشائهة مثل ذلك الرجل على الكوبرى وقطته الحولاء فى قصة "الغريق". وجاء سؤال الكتابة هنا مساءلة من الذات للعالم فى أكثر من نص، وبرز هذا السؤال فى النص الأول المعنون ب "طقوس"، فهناك كلام صريح عن الكتابة والجدوى منها، فتقول على لسان البطل المذكر: "الكتابة بالنسبة لى هى اللغة التى لا يعلمها إلا من لا يستطيع الحكى بالكلام .. منذ بدأت لم أتوقف، فتلك الحالات التى وضعنى فيها أبى دونما قصد جعلتنى أعشق الوحدة والتأمل من بعيد، فكنت ألاحظ الناس، وأسرد عنهم قصصاً من أعينهم وأنا لا أعرف عنهم شيئاً". فى النهاية هناك طاقة سردية مهمة وعميقة لدى الكاتبة، كما أن لها خصوصية التقاط النماذج الصالحة للسرد، فقط ينقصها مراجعة الذات فى تصوير غربتها عن العالم.