كل إصلاح حدث فى الماضى أو سيحدث فى المستقبل إنما هو حلم من أحلام أحد المفكرين. هذه المقولة مأخوذة عن "أناطول فرانس"، الذى قال: "لولا أحلام الفلاسفة فى الأزمنة الماضية لكان الناس يعيشون إلى الآن، كما كانوا يعيشون قديما، عراة أشقياء فى الكهوف. لقد كان إنشاء أول مدينة خيالا من أخيلة المفكرين.. ومن الأحلام السخية ظهرت الحقائق النافعة. فالخيال هو مبدأ التقدم، وفيه محاولة إيجاد المستقبل الحسن". ويشير هنا (الخيال والخيالى والمتخيل) إلى كل نشاط حر يقوم به العقل بصورة حرة تلقائية، بعيدا عن كل مستويات الكبت الغريزى والقهر الاجتماعى والقمع الحضارى التى يمكن أن يتعرض لها الإنسان. وحسب "هربرت ماركيوز": "فإن المخيلة هى القيمة العقلية الوحيدة التى ما تزال حرة فى مقابل مبدأ الواقع". كما أن لديها القدرة على تجاوز الواقع الإنسانى المتناقض، فالخيال يستهدف إعادة التوازن بين الفرد والمجموع، بين الرغبة وتحققها، بين ما هو كائن وما ينبغى أن يكون. فضلا عن تمتعه بطاقة كبيرة على استباق المستقبل، إذ يرسم له صورة مثلى تغرى الآخرين بالتوجه نحوها أو التطابق معها أو إنتاجها. قبل 83 سنة، تخيل العلامة سلامة موسى (1888 – 1958)، الذى تمر الذكرى الخمسين على وفاته هذه الأيام، مجتمعا مصريا مثاليا سماه "خيمى سنة 3105"، فى كتابه "أحلام الفلاسفة" الصادر عام 1925، ضمنه كل رؤاه وأحلامه وآماله وطموحاته. ومن يقرأ هذا الحلم سيكتشف أن ما تحقق منه فى الواقع، فاق بكثير ما حلم به لعام 3105 فى بعض الأمور، كما أننا تخلفنا عن الواقع الذى عايشه موسى عام 1925 فى أمور أخرى، فضلا عن أن هناك الكثير مما لم يتحقق بعد حتى اليوم، ناهيك عن استحالة تحقيقه أصلا، وعلى سبيل المثال: "فإن أهل خيمى لا يبالون بكثرة النسل، بل بجودته. فقد كانت مصر فى سنة 1925 نحو 15 مليونا، أما فى سنة 3105 فإنهم نزلوا إلى نحو 10 ملايين فقط. ولكن ليس فيهم واحد يجهل الفلسفة أو مقدارا كبيرا من العلوم الأخرى. وقلما يموت أحد منهم دون أن يكون قد ساح إلى القطب وعاد منه، وذلك لأنهم وجدوا أن العبرة بالأشخاص كيف هم وليس كم هم" ص: 110. لكن الطريف هو أن خيمى: "كانت مقسمة إلى ضياع بها دساكر، يتبع كل دسكرة نحو ألف فدان، وبها مصنع. وكانت الزراعة كما نفهمها الآن قليلة، لأنه لم يكن يحرث من هذه الألف سوى نحو خمسين أو ستين فدانا لزراعة النباتات الغريبة السنوية، أما سائر الأرض فكانت مغطاة بالأشجار المعمرة يؤخذ منها الطعام واللباس والوقود. ولم يكن الرى من النيل كما كان فى عهدنا، لأن هذا النهر كان قد جف تقريبا لأن أهل خيمى صاروا يزمون السحاب بأزمة علمهم، يرتفعون فوقه بالطيارات ويطلقون عليه من المواد الكيمائية ما يجعله يتكاثف ويقع مطرا فى أى جهة أرادوا وفى أى وقت شاءوا... ولم يكن يحتاج أحدهم إلى العمل لمعاشه أكثر من ساعة فى اليوم، وسائر نهاره وليله يقضيه فى المتع الذهنية المختلفة وفى متابعة أبحاثه العلمية، إذ قلما كان يخلو فرد من أبحاث علمية يملأ بها فراغه سواء فى ذلك الرجال أو النساء." ص: 106. قبل أيام قرأت هذا الخبر فى إحدى الصحف المصرية: مشروع للأمطار الصناعية لأول مرة فى مصر، المهندس ماجد جورج وزير البيئة يقول إن مشروع "الاستمطار التجريبى" يستهدف خدمة المناطق الصحراوية التى تعانى من ندرة المياه.. وهو يكتسب أهمية خاصة فى ظل التغيرات المناخية المرتقبة خلال السنوات المقبلة نتيجة لزيادة تراكم غازات الاحتباس الحرارى، ومنها ثانى أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز وهى مشكلة بيئية كبرى تواجه العديد من البلدان على مستوى العالم.