اجتمع عدد من كتاب المسلسلات هذا العام على تناول حياة الفقراء فى المناطق الشعبية الكادحة والعشوائيات، وربما يكون هذا توجه لامتصاص احتقان المطحونين من الجمهور، عن طريق عرض حياتهم ومشاكلهم فى الأعمال الدرامية، ولكن ما قدموه ربما يزيد من احتقان هؤلاء الكادحين تجاه المجتمع الذى لا يشعر بهم، وكتاب هذه المسلسلات يبدو أنهم لم يروا فقراء فى حياتهم قط، وخيالهم لم يصل إلى حد الفقير الذى من الممكن أن يعانى من الجوع لمدة يومين، أو يموت أحد أبنائه لأنه لم يجد له ثمن الدواء، لقد عرضوا فقراء من كوكب آخر أو بلد آخر غير الذى نعيش فيه، فقراء هذه المسلسلات ليس بينهم عراة أو جياع، أو أشخاص يعانون من طفح مواسير المجارى، أو أسرة تشردت بعد سقوط منزلهم، فقراء هذه المسلسلات لا يعرفون العشش الصفيح، التى تهدم على أهلها بفعل السيول، أو تحت أنقاض الصخور كما حدث فى الدويقة. فى هذه المسلسلات تظهر بطلة المسلسل غاية فى الأناقة والجمال حتى لو كانت تجسد فتاة بائعة شاى مثل بسمة "غادة عادل" فى مسلسل "قلب ميت" التى تقسو عليها الحياة كل يوم، ومع ذلك تظهر بكامل مكياجها ونضارة وجهها، تجلس على "طشت" الغسيل بشعرها الناعم، وكأنها لم تلبث أن خرجت من أفضل كوافير، مرتدية ألوانا جذابة ومتناسقة على أحدث موضة وكان ينقصها المايوه والنظارة الشمسية وتكون على البلاج وليس "طشت" الغسيل، وبسمة أيضا بائعة الشاى التى تعمل فى الشمس وتقف أمام حرارة براد الشاى طول اليوم وجهها ناعم ورقيق، وملابسها مهندمة ليس بها أية شوائب، تتكلم بلغة راقية ولا ينقصها فقط سوى "مج الكابتشينو"، أما عم أبو شامة "جمال إسماعيل" ملاحظ العمال الذى يقضى يومه كله تحت لهيب الشمس ليس على جبينه نقطة عرق واحدة، ذقنه أنعم من الحرير وملابسه لا تحمل ذرة تراب، رغم وجوده بين الرمل والأسمنت طول اليوم، وابنه رضا الشاب الذى لا يجد قوت يومه يسهر فى صالات الديسكو ويؤجر البلطجية ويدفع لهم مبالغ كبيرة. فقراء الدراما لهم تركيبة خاصة تختلف عن المحيطين بنا، والعشوائيات التى نراها فى الواقع غير التى تقدمها لنا الدراما، فمثلاً مدينة وراق العرب التى نعرفها تختلف تماماً عن التى يقدما لنا مسلسل هيما، فسكان المنطقة العشوائية التى يقدمها المسلسل لا تخلو مائدتهم من الفراخ واللحوم والأكلات الشهية، فهم يفطرون بسطرمة بالبيض والتى هى أغلى من اللحمة، وهيما الشاب الفقير الذى يعانى من الفشل والضيق المادى يرتدى ملابس من أغلى ما يكون وخطيبته ابنة أحد السعاه ترتدى ملابسها على أحدث الموضات، وفى منطقة تعانى من ضعف أو انعدام الخدمات من مياه وصرف وكهرباء لا يترك شقيق هيما الأوسط الموبايل أو التليفون الأرضى طوال اليوم، ناهيك عن الشقة الفارهة التى يجرى فيها الخيال حتى أنها فى الحلقة الأولى اتسعت لفرقة كاملة من جنود الأمن المركزى ولكل فرد حجرة مستقلة، فلم ينقصهم فقط سوى خادمة وسفرجى وربما لم يدرى مخرج المسلسل أن أى منزل داخل العشوائيات لا تتعدى مساحته أكثر من مترين فى مترين، أما أسرة هيما الفقيرة لا يأكلون إلا فى حجرة السفرة ولكل فرد طبقه الخاص، أما الأم فيدها مليئة بالذهب، رغم أن الأب عاجز عن شراء جهاز كمبيوتر لابنه بالتقسيط. شروق "داليا البحيرى" فى مسلسل بنت من الزمن ده، الفتاة الأقرب إلى فتيات الشوارع وجهها لامع وأملس وتبدو ملابسها كما لو كانت خارجة من "الدراى كلين"، فضلاً عن لغتها الحوارية التى تفوق بعض المثقفين أحيانا. أما فيفى عبده فى مسلسل "قمر"، فهى تجسد دور السيدة الفقيرة التى تبيع الجمبرى فى الخمارات وترتدى ملابس غاية فى الإغراء والرفاهية، حتى أن ثمن فستان واحد من التى ترتديه يساوى ما يمكن أن تربحه من بيع الجمبرى فى سنة كاملة، ولكن الست لازم تطلع على الموضة حتى لو كانت فى دور سيدة فقيرة يبيعها زوجها من أجل الفلوس. أما سكرة "هند صبرى" فى مسلسل "بعد الفراق"، الفتاة القادمة من قرية الصيادين تضطر للعمل كخادمة فى المنازل لتدبر مصاريف يومها، فهى أكثر جمالاً وأناقة من أهل البندر، أو حتى من السيدة التى تعمل عندها، الفتاة الخادمة ترتدى جلبابا أنيقا ونظيفا ألوانه على أحدث موضة، والشبشب الذى تلبسه فى قدميها من الماركات العالمية، الخادمة التى تمسح البلاط وتغسل الملابس والصحون يدها ناعمة وجسمها رشيق كمن تذهب إلى "البيوتى سنتر" مرة فى الأسبوع على الأقل. هؤلاء الكتاب الذين تبرعوا باقتحام حياة الفقراء والعشوائيين، عليهم أن يراجعوا مناهج الفقر ويعرفوا أن هناك نماذج من الفقراء تخطت حيز خيالهم بكثير.