أكدت دراسة فقهية حديثة، عدمَ جواز إجبار الحكومة أو ولى الأمر، أى شخص على إجراء الفحص الطبى من أى مرض قبل الزواج، موضحةً أن ذلك يعد انتهاكاً للحرية الشخصية، ويسبب عدة مشاكل مادية ونفسية تتمثَّل فى التكاليف المالية، وخوف المقبلين على الزواج من نتائج الفحوصات وعواقبها على حياتهم؛ مما يدفعهم إلى اجتناب الزواج أو التحايل عليه بالزواج السرى أو بشراء الشهادات الطبية التى تثبت سلامة الشخص من العيوب الوراثية أو الصحية بالمال، وهو ما يفتح باباً للمخالفات الأخلاقية التى يرفضها الشرع، ومن ثم تكون هذه الفحوصات اختيارية وليس إجبارية. وطرحت الدراسة التى حصل بها الباحث عبد الفتاح أحمد أبو كيله من بلدة "تفهنا الأشراف" على درجة الماجستير فى الفقه العام من كلية الشريعة والقانون بدمنهور جامعة الأزهر، سؤالاً هو: هل يجوز للدولة أن تُلزم كلَّ من يتقدَّم للزواج بإجراء الفحص، وتجعله شرطاً لإتمام الزواج أو أنه اختيارى فقط؟ وذكر الباحث أن للعلماء رأيين فى هذا الأمر؛ الأول يقول إنه يجوز لولى الأمر إصدار قانون يُلزم فيه كلَّ من يتقدَّم للزواج بإجراء الفحص الطبى؛ بحيث لا يتم الزواج إلا بعد الحصول على شهادة طبية تُثبت أنه لائق طبياً، وقال بذلك الشيخ محمد الزحيلى من سوريا، ود.ناصر الميمان الأستاذ بقسم الشريعة فى جامعة أم القرى، والدكتور عبد الفتاح فايد أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، والدكتور محمد عثمان شبير أستاذ الفقه بالجامعة الأردنية، والدكتور أسامة الأشقر، والدكتور نصر فريد واصل مفتى مصر الأسبق. واستدلَّ أصحاب هذا الرأى بوجوب طاعة ولى الأمر فى المباحات، وقوله تعالى ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (البقرة: من الآية 195)، وقوله تعالى على لسان زكريا عليه السلام ﴿قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ (آل عمران: من الآية 38)، وقول النبى صلى الله عليه وسلم: "لا توردوا الممرض على المصح".. وفيه نهى عن اختلاط الأصحَّاء بالمرضى وقايةً لهم من الأمراض المعدية، وهذا لا يعلم إلا بالفحص الطبى. أما الرأى الثانى فهو عدم جواز إجبار أى شخص على إجراء الفحص الطبى، ولكن يجوز تشجيع الناس على إجرائه ونشر الوعى بالوسائل المختلفة بأهمية الاختبار الوراثى، وذهب إلى هذا الرأى الشيخ عبد العزيز بن باز من السعودية، والدكتور عبد الكريم زيدان أستاذ الفقه بالجامعات العراقية واليمنية، والدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، والدكتور محمد عبد الغفار الشريف عميد كلية الشريعة بجامعة الكويت والدكتور عارف على عارف. واستدلَّ هؤلاء بقول النبى صلى الله عليه وسلم "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير"، فالنبى ذكر الدين والخلق ولم يذكر الصحة، والأصل أن الإنسان سليم، ومن ثم فلا يجب إجبار أحد على إجراء الفحص، وأن الفحص يكون على مرضين أو ثلاثة أو حتى عشرة، والأمراض الوراثية المعلومة اليوم كثيرة جداً، وكل عام يكتشف مرض جديد، فإذا ألزمنا الناس بالفحص عنها جميعاً فقد يتعذَّر الزواج ويصعب وينتشر الفساد، وإن تصرفات ولى الأمر فى جَعل الأمور المباحة واجباً، إنما تجب الطاعة فيها إذا تعيَّنت المصلحة أو غُلِّبت؛ للقاعدة الفقهية: "تصرُّف الإمام على الرعية منوطٌ بالمصلحة"، وإلزام الناس بالكشف قبل الزواج فيه مفسدة عظيمة تزيد عن المصلحة، وهذا الرأى ما اختاره الباحث. وأضاف الباحث أن العدول عن الخِطْبة حق لكلٍّ من الطرفين إذا تبيَّن له أن بالآخر مرضاً وراثياً ينتقل إلى ذريته أو معدياً ينتقل إليه عبر الجماع. وأجازت الدراسة التى جاءت تحت عنوان "الفحص الطبى قبل الزواج والأحكام الفقهية المتعلقة به" إجراء الفحص الطبى قبل الزوج، مع اشتراط الوسيلة الآمنة المباحة؛ وذلك اعتماداً على التكييف الفقهى والشرعى؛ لأن إجراء الفحص يحقِّق مصالحَ شرعيةً راجحةً، ويدرأ مفسدةً متوقعةً، وليس فى هذا مضادٌّ لقضاء الله وقدره.