يخطئ من يظن أن ثورة 25 يناير كانت وليدة اللحظة، أو كانت استجابة للدعوة التى انتشرت على موقع الفيس بوك فقط.. الحكاية تعود إلى رصيد وافر من الذل والفقر والجهل.. وساهم فى تأجيج هذه العوامل الانتشار الواسع لثقافة الفيس بوك والتدوين الذى أثر على الحياة الثقافية والصحفية بالشكل الذى دفع الوسط الإعلامى للاهتمام بدور المدونين والكتاب الإلكترونين.. إذاً فالواقع يقول إن الكُتاب الشباب والمثقفين والرجال فى الأسواق والنساء فى البيوت والطلاب فى الجامعات.. حتى شباب الفيس بوك الذين نُعِتوا بأنهم شباب "سيس".. كل هؤلاء شاركوا فى التغيير.. شاركوا فى الثورة.. لأن بتحليل بسيط ليس هناك من لم تطله يد الفساد أو القمع. ما يثير حفيظتى الآن أن تجد هؤلاء من مدعى البطولة والعزة.. وقد حملوا لواء الثورة وأصبحوا من قادتها.. وبسؤالهم ( بأمارة إيه) تتعالى الأصوات.. هو انت رحت التحرير.. هو انت شفت حاجة.. يعنى محدش سامع لك صوت دلوقتى.. خلاص مصر قبل 25 يناير غير مصر بعد 25 يناير - وللعلم هؤلاء كانوا ممن ننعتهم بالسائرين داخل الحيط وليس بجواره فى فترة النظام المبارك - ويبقى نهارك أسود من قرن الخروب لو تنفست نسيم الحرية (المتعكر حالياً)، وبدأت تتكلم بحيادية عن العهد المنصرم.. تسمع هتافات.. عميل.. خانع.. جبان.. انت من أزلام النظام.. أتعجب كثيراً وأتسأل كيف لنا أن نتحدث ونكتب وننقد بحدة احياناً وبرفق أحياناً أخرى فى ظل دولة بوليسية ونظام فاسد.. والآن وبعد الثورة والتحرير نخشى أن نبوح بوجهة نظر معارضة أو حتى محايدة.. أصبح النداء للفكرة الواحدة والقطب الواحد والمخالف يرجم أو يصلب أو ينفى أو يوضع فى القائمة السوداء، قائمة العار. الكارثة أن الناس قصرت الثورة على ميدان التحرير.. الإعلام الرسمى وغير رسمى أغفل حق ميادين كثيرة فى ربوع مصر.. أسمعتم عن ميدان التحرير فى طنطا والقليوبية والمنصورة وأسيوط وبنى سويف.. كما أنه لا يمكن أن نقصر الثورة فى مجرد التظاهرة.. فالوقوف احتجاجاً فى وجه النظام له ميادين تحريرية كثيرة نزل فيها شرفاء قبل 25 يناير.. فنصر فريد واصل ومجدى مهنا وحسن نافعة وحمدى قنديل وكمال الجنزورى وجودت الملط وحلمى النمم وعمرو الشبكى وغيرهم نزلوا الميدان قبل سنين. أعتقد أن الثورة قامت، أو إن صح التعبير انفجرت لتحقيق الحرية والديمقراطية، والتى تقتضى سماع الآخر وتقبل وجهة نظره.. دون حجر على فكرة أو ترصد لأرائه.. نحن وصلنا الآن إلى الحرية وتبقى لنا الديمقراطية.. ولا أعتقد أننا نقترب منها فنحن نتعامل مع ثورة 25 يناير وشبابها، كما تعاملنا مع ثورة 52 وقادتها.. هتاف وطبل وغناء ومظاهرات وأحاديث فى البرامج الحوارية عن الثورة الفرنسية والثروة السياسية فى الولاياتالمتحدة حتى الثورة الصناعية فى أوروبا.. أرجوكم كفانا حديث فلنبدأ العمل بقى. على العموم أنا عن نفسى رحت ميدان التحرير مرة واحدة لتفقد الوضع.. بس للأسف نسيت أتصور هناك علشان أثبت أننى من الثوار.. رغم أننى والكثير من الزملاء بحت أقلامنا كتابة منذ أكثر من خمس سنين نقداً فى الفساد.. إلا أنى مش ضامن بصراحة.. بس أنا ليا صورة على ترابيزة بيتنا وأنا ماسك قلم.. وكان جانبى فيه علم.. أعتقد ممكن الصورة دى تشفعلى.. عاشت مصر وعلى فكرة مصر قبل 25 يناير لسه مصر بعد 25 يناير الطريق لسه طويل