منذ اليوم الأول لهذه الثورة المباركة وأنا أرى فى وجه كل شاب أقابله أو أتحدث إليه داخل المظاهرات بالأمل فى ما هو قادم، والعزم والإصرار على تكملة المشوار إلى أن تتحقق المطالب، كنت أذهب إلى المظاهرات وحيداً فى بداية اليوم، وكنت أعود فى نهاية اليوم بمجموعة من الأصدقاء يزداد عددها كل يوم عن الذى قبله، ومن طبقات مختلفة وشرائح تعليمية أيضاً مختلفة. أدركت بعد يوم، الجمعة، 28 يناير أن المسألة دخلت فى الجد، وأن المسئولين نفذ صبرهم، والمتظاهرين زاد إصرارهم، انهارت قوى الشرطة، ولم تنهار قوى الإرادة، وكم كان يهتز قلبى عندما كنا نمشى فى الشوارع ونرى الناس يلوحون من الشرفات لنا بالأعلام، ويهتف لهم المتظاهرون (انزل يا مصرى، انزل يا مصرى)، وكلما مررنا على قسم شرطة محروق أو سيارة شرطة مدمرة، كان الشباب يعلق عليها ورقة مطبوعة مكتوب بها (لا للتخريب، لا للدمار)، (نريدها سلميّة، سلميّة). هؤلاء هم شباب ال 25 من يناير، وهذه هى أفكارهم ومبادئهم، ثوب أبيض طاهر، وتفكيرُُ ناضج، على العكس تماماً من الطرف الآخر من بلطجية رجال الأعمال المحتمين بالحزب الوطنى ورجاله، الذين شعروا بخطر موقفهم، وقرب انكشاف أمرهم، وأدركوا بحقيقة الأمر الواقع الذى فرضه عليهم هؤلاء الشباب الصغير فى السن، الكبير فى المقام والقامة، شعروا بنهايتهم، فأرسلوا خيول وجمال من عصر الجاهلية إلى رمز الثورة الشبابية (ميدان التحرير)، عبّروا عن طريقة تفكيرهم العقيمة، وبرهنوا على غبائهم السياسى فى مواجهة الكيبورد، والفيس بوك، والمدونات، التى استهونوا بما جاء فيها. استخدموا الأسلحة البيضاء، من سيوف وخناجر ومطاوى وسنج وزجاجات المولوتوف، فى مواجهة هتافات الشباب، أخرجوا البلطجية من الأقسام والسجون، وظنوا أنها كالانتخابات البرلمانية السابقة، ولم يدركوا أنها ثورة حقيقية تقبل الخسائر فى الأرواح، وتقديم الشهداء كرباناً لنجاحها. من يتصفح أسماء الشهداء وسنهم ووظائفهم، سيدرك أن الأغلبية منهم من المتعلمين والمثقفين، والكثير منهم يعمل ولا يعانى من البطالة، ولكنهم يعانوا من الفساد المستشرى فى جسد بلادهم، يعانون من تزوير لإرادتهم وصوتهم الانتخابى، ويعانون من استفزاز الطبقة الفاسدة التى سيطرت على كل شىء، والأعمار المتقدمة من المسئولين الكبار ذات العقول المتحّجرة، المتّمسكين بمناصبهم لآخر أنفاسهم. نجح تفكير الحاسبات الآلية فى برمجة الجمال والأحصنة وجعلهم يهنّجون، لأن ذاكرتهم ضعيفة ولا تعى دروس تونس القريبة، ولم يسعفهم الوقت لفهم طبيعة حماس الشباب عندما يشتعل، فكل رد فعل عكسى يجعلهم أكثر إرادة وإصرار على استمرار ما بدءوه. تمر الأيام، وتتحقق المطالب وتقترب الأمانى التى كانت من قبل بعيدة، ولكن حذارى ممن يركبون موجتكم، ويرفعون شعاركم، ويندسون بينكم، فهؤلاء لهم أجندة عدائية ضدكم وضد مصر، ولكنهم يريدون سرقتكم وسرقة ثورتكم، ولا يقلّون بشاعة عن الحزب الوطنى، يستخدمون الشعارات الدينية للوصول لأهدافهم، ويستقطبون الأموال من الخارج لتحقيق هذه الأهداف. أنا لا أخاف عليكم، لأنى أعى تماماً أن من أمامى هم شباب اكتسب من المعرفة والثقافة والوعى ما يفرقون بهِ بين الحق والباطل، وصاحب الهدف وصاحب المصلحة، أصبح لديكم رؤاكم الخاصة فى الأمور، وانتزعت السلبية منكم ولن تعود بإذن الله إليكم. كل ما يسعدنى أنى توقعت كل هذا، وكتبت عن كل هذا قبل حدوثه، وأصاب تفكيرى وحسن ظنى فى شباب بلدى وأصدقائى وإخوانى وزملائى، وشاركتهم وشاركونى فى هذا الحدث، ولكنى لم أركب الموجة، وسأتوارى خلف إنجازكم العظيم، وأشاهدكم وأنتم تغيرون التاريخ.