عرض الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية، صباح اليوم، رؤية لمستقبل التنمية فى مصر فى ظل التغيرات العالمية، وذلك خلال لقائه السنوى بالمفكرين والمثقفين، الذى تنظمه المكتبة يومى 28 و29 ديسمبر. وقال سراج الدين: إن المكتبة تهتم بتنظيم هذا اللقاء سنويًا للاستنارة برأى المثقفين من أجل دعم وتطوير ما تقوم به من مشروعات وأنشطة وفعاليات، وبحث مستقبل الثقافة فى مصر، انطلاقًا من الإيمان بأهمية دور المثقفين والمفكرين والعلماء المصريين فى رسم ملامح المستقبل، لافتًا إلى أنه مع اقتراب نهاية هذا العام، كان من الضرورى التعرف من خلال اللقاء على رؤية المثقفين للتغيرات التى تحدث فى العالم، وتأثير هذه التغيرات على أوضاع التنمية فى مصر. ولفت إلى أن العالم يواجه ظاهرة جديدة فى إطار إعادة الهيكلة التى تتم بعد الأزمة الاقتصادية، تتمثل فى الوفاء بالعقد الاجتماعى، والالتزام باحتياجات النظام العالمى المالى الاقتصادى الجديد، حيث إن معظم الدول تعانى من عدم القدرة على تمويل أسس العقد الاجتماعى، وتقديم قدر من الضمانات الاجتماعية للمواطنين، وهو ما يظهر فى الإضرابات العمالية فى فرنسا، وارتفاع تكلفة التعليم فى المملكة المتحدة، وغيرها من الأمثلة. وأضاف أن الدول الشرقية وفى مقدمتها الصين، انتهجت سياسة مختلفة عن دول الغرب، لمواجهة تلك الظاهرة، فبدأت الالتزام فى هذه المرحلة بالخدمات الاجتماعية المطلوبة، وتوسيع قاعدة المشاركة فى دولة الرفاهية، وتقليل المدخرات، وزيادة الصرف. وبصورة عامة، أوضح أن هناك عدداً كبيراً من الدول التى حققت قدراً كبيراً من التنمية والنجاح الاقتصادى فى ظل غياب الديمقراطية، إلا أن المواطنين فى هذه الدول طالبوا فى مرحلة ما من مراحل النمو الاقتصادى بحقهم فى المشاركة فى المجتمع، وبالتالى أصبحت الديمقراطية جزءًا من التنمية التى تم تحقيقها. ولفت إلى أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء تعد من أهم معوقات التنمية فى العالم، حيث أن 96% تقريبًا من دول العالم تعانى من تلك المشكلة، وبالتالى فإن تباين الأحوال الاقتصادية يؤثر بشكل واضح على نتائج التنمية. وفى السياق الخاص بمصر، أكد مدير مكتبة الإسكندرية أن قدرة مصر التنافسية فى إطار هذا التطور العالمى مرهونة تمامًا بعملية التعليم، مشيرًا إلى أن مصر قادرة على تحقيق تحول إيجابى فى جميع المجالات من خلال رؤية واضحة تقوم على ثورة تعليمية، مضيفاً أنه يرفض الشهادات والدرجات اللذين أفسدا التعليم، مبينًا أهمية الاعتماد على مضمون العلم والتعلم، ضاربًا المثل ب"كولاج دى فرانس"، وهى مؤسسة تعليمية وبحثية فرنسية لا تمنح درجات علمية ولا تدرس المناهج الرسمية، وإنما تقدم محاضرات رفيعة المستوى مفتوحة للجمهور والباحثين، مما يجعلها مؤسسةً فريدةً على مستوى العالم. وقال: إن التخطيط فى مصر ينقصه حساب النتائج على المدى البعيد، حيث يقتصر على إحداث تغيير على المدى القصير فقط، كما أنه يقوم على أسس موروثة، فى حين أن دول العالم تتجه إلى إعادة صياغة موازينها وتحديد الأولويات فى المجالات الاقتصادية والتكنولوجية. هذا وقد شهد اللقاء مناقشات مع المثقفين والمفكرين والعلماء حول عدد كبير من المجالات، منها الإصلاح الاجتماعى والتعليم والإعلام وتنمية الإبداع. وشدد سراج الدين خلالها على مسئولية المثقفين فى فتح الأبواب وتذليل العقبات وتنمية المهارات للجيل القادم، لاستعادة المكانة العلمية والثقافية التى طالما تمتعت بها مصر، مشيرًا إلى أن عمل المثقف يتطلب نوعاً من المثابرة، فهو يعمل على معالجة القضايا الفكرية وإيجاد التيارات الفكرية العميقة التى لا يلاحظها باقى أفراد المجتمع، كما أن دوره فى الإصلاح يتم بتعبئة الفكر، وليس المظاهرات، ودعا المثقفين والمفكرين إلى التعاون من خلال هذا اللقاء السنوى لبلورة المناقشات فى شكل مجموعة من الدراسات المستقبلية فى كافة المجالات.