ليس بين جموع الصحفيين – النقابيين وغير النقابيين – من يختلف على تقدير واحترام الأستاذ يحيى قلاش، عضو مجلس نقابة الصحفيين.. سنوات طويلة مضت.. حصد فيها النقابى يحيى قلاش محبة كل زملائه، فى كل الصحف والمطبوعات على اختلافها.. بهدوئه المعهود.. وأدائه المتميز.. وقدرته على التعامل مع أصعب المحطات التى واجهتها النقابة وأعضائها.. بتحرك عاقل وواع لأهمية ذلك الصرح للجميع. عملت مع الأستاذ يحيى قلاش لفترة ليست طويلة فى إحدى الإصدارات العربية.. عبر مكتبها فى القاهرة.. الذى كان بيتا لصحفيين كبار فى المهنة بمنطقة وسط القاهرة.. تختبىء اتجاهاتهم السياسية المتباينة خلف ستار العمل الصحفى.. لا يصطبغ عملهم أبدا بصبغة هواهم السياسى.. خلطة خاصة جدا لنوع مميز من البشر.. تمتزج الحوارات الصحفية فيها برائحة سندوتشات الفول والطعمية، التى كانت تجمعهم صباحا.. نميمتهم عن المهنة.. ودعاباتهم فى المهنة.. وأرواحهم معلقة بالمهنة.. وفى الحادية عشرة صباحا.. يدق جرس الباب.. القادم يحيى قلاش.. صباحاته التى يبعثرها فى بهو المكان.. دالفا إلى الغرفة الكبرى حيث يستقر أغلب الصحفيين.. هادئة خفيضة تغلفها ابتسامته التى عهدها فيه الجميع.. والتى صار اختفاؤها مبعث تساؤل كل من يعرفه! اقتربت من النقابى الحقيقى قلاش فى نهاية تسعينات القرن الماضى.. عندما انخرطت بالعمل فى اللجنة الثقافية التى كان يشرف عليها – وقتها – النائب الصحفى حمدين صباحى.. فلمست عن قرب ماذا تعنى نقابة الصحفيين للأستاذ قلاش.. سواء فى مبناها المؤقت، بجوار قسم شرطة الأزبكية.. أو مبناها الجديد فى شارع عبد الخالق ثروت.. ويمكننى تصور ما لم أشهده.. ما كانت عليه النقابة القديمة فى نفس المكان – عبد الخالق ثروت – بالنسبة لهذا النقابى المهم.. ولا أقصد هنا بالنقابة المبانى والجدران والمعدات.. أقصد التاريخ والبشر الذين صنعوه والمحطات التى حفروها فيه.. الأسماء التى أثرت فى المجتمع المصرى كله وتأثرت به.. على مر الفترات المهمة فى تاريخ مصر.. أهمية يحيى قلاش بالنسبة لجموع الصحفيين المصريين، هو إدراكه المبكر لأهمية نقابته.. وتقديره للكبار الذين ساهموا فى إرساء تلك الأهمية.. فى نفوس الصحفيين، وفى نفوس المصريين كافة.. وبنائه على ما قاموا به من خطوات.. وقدرته الفريدة فى الفصل بين ميله السياسى، وعمله النقابى.. وتلك كانت ضماناته لدى كل الصحفيين.. التى انتزعت له مكانة خاصة فى نفوسهم.. بغض النظر عن تركيبة مجلس النقابة.. أو حتى النقيب!! ومنذ عام تقريبا.. تلقيت رسالة على بريدى الإلكترونى – مثل آلاف الزملاء – من النقابى القديم – والقدير – يحيى قلاش.. يعلن فيها دوافع استقالته المسببة.. التى كان قد أعلنها قبلها بعام.. قرأتها بتركيز شديد.. فمن يعرف الرجل.. يعرف جيدا أن خطوة من هذا النوع ليست بالهينة أو البسيطة عليه.. توقفت عند تلك الفقرة فى رسالته التى تجاوزت 1000 كلمة.. "عندما تقدمت باستقالتى المسببة من عضوية مجلس النقابة قبل عام، لم أشأ أن أثير الضجيج حولها، فالهدف كان ومازال تصحيح أوضاع نقابية خاطئة، وفتح الباب لمراجعة منهج فى العمل النقابى أدركت منذ اللحظة الأولى أنه سيقود إلى كارثة".. توقفت عندها لعدة أسباب: أولها أن تلك هى شخصيته.. حاسته السادسة النقابية توجهه مبكرا نحو مشكلات لا يلتفت إليها الكثيرون.. وثانيها أنه انتظر عاما كاملا حتى يفصح للجمعية العمومية عن أسباب استقالته.. وأسمح لنفسى بلومه على ذلك.. وثالثها أننا – كجموع صحفيين – تجاهلنا فى لحظة خبر استقالته منذ عامين.. وخبر رسالته الإلكترونية عن الأسباب قبل عام.. متغاضين عن كل تاريخه النقابى والمهنى.. اكتفينا بالشعور الصامت بالخسارة.. واللوم المكتوم له لأنه تخلى عن دوره.. دون أن نتوقف قليلا لنسأله لماذا استقلت؟! انتبهت لكل هذا منذ أشهر قليلة.. فقد شاهدت يحيى قلاش آخر، غير الذى عهدته وعهدناه جميعا.. تخلى عن هدوئه.. فارتفع صوته.. وتوارت قليلا لهجته العقلانية.. وصار بعيدا للناظرين عن شخصيته النقابية المعهودة.. وأقول له بكل تقدير: لا يا أستاذ يحيى.. لا تخذل عقلى الذى يحترم نقابيتك.. ولا قلمى وهو يسطر اسمك، خلف الستارة فى صندوق الانتخاب.. ولا رهان الجمعية العمومية عليك طوال السنوات الماضية.. لا يا أستاذ يحيى لا تخطو تلك الخطوة عكس دوران عجلة الزمان.. مد يدك مرة أخرى لكل الصحفيين المهنيين, الذين يحترمون أقلامهم, كما كنت.. قل كلمتك الآن وليس لاحقا.. فتلك هى اللحظة التى تنتظر فيها جموع الصحفيين موقف يحيى قلاش الواضح – مهنيا – من كل ما يحدث فى "خلطبيطة شارع عبد الخالق ثروت"!!