نعيش حالة من الجدل أثارها قرار وقف بث بعض القنوات الفضائية، تساؤلات يطرحها أهل الكار والمهنة، وأخرى يطرحها رجال أعمال تورطوا، أو تم توريطهم فى إنشاء قنوات فضائية، وثالثة يطلقها رجال دين، ورابعة تتبناها مؤسسات دينية، وخامسة يصرخ بها العاملون فى تلك القنوات بعد أن ألقى بهم فى عرض الطريق، وسادسة يتوقف عندها خبراء الإعلام من الرواد والأكاديميين من أهل التنظير، وسابعة يرددها أهل القانون والمحاماة، وثامنة يعلنها رجال سياسة وأحزاب ونواب، وتاسعة تؤكد عليها مؤسسات حكومية مثل وزارات الصحة والأوقاف والإعلام والثقافة والتعليم والاستثمار، وعاشرة يُجمع عليها نجوم مراكز حقوق الإنسان. أما المواطن المُتلقى والمستفيد/ المتضرر من خدمات تلك الفضائيات، فلم يسأله أحد أو يُجالسه مسئول، بدعوى رذيلة يكررونها " المواطن لديه ريموت كنترول يختار اللى يعجبه، والقنوات تعمل اللى عاجبها".. قالوا إنها قنوات تروج للأعشاب وتفسير الأحلام والرقى على نطاق واسع فضلاً عن العلاج بالحجامة ونشر عناوين الصيدليات وأسماء من يقومون بتلك الأنشطة ومنها عناوين بالقاهرة، وقالوا أنها تتبنى إطلاق الفتاوى والآراء الفقهية التى تعكس الفكر الوهابى، وأنهم عشابون وجهلاء يقدمون برامج طبية اعتمادا على البعد الدينى لدى البسطاء.. أكاديمية تمنح شهادة "حجّام" ب 750 جنيها فى أربعة أيام.. وخريج تربية رياضية يؤلف كتابا سعره 800 جنيه للنسخة. لدى فقط بعض الأسئلة عقب قرارات إيقاف بث بعض القنوات،وإنذار البعض الآخر باتت كثيرة.. أذكر منها: ما هى الشروط والمواصفات التى بمقتضاها تم التعاقد مع أصحاب القنوات المخالفة؟ وهل كانت محددة قاطعة حتى لا يتم الالتفاف حولها؟ ماذا لو قام أصحاب تلك القنوات ببث إرسالها بعيداً عن مناطق التحكم والمتابعة والرقابة المصرية؟ أين خطط المواجهة الإعلامية من قبل أجهزة الدولة فى حالة فشلها فى إيقاف ذلك المد المتخلف لإعلام مدمر مثير للفتن، وهو الأمر المتوقع فى ظروف عولمية وتقنية تسمح بكل البدائل؟ أين البرامج الدينية الإسلامية والمسيحية والتوعوية الصحية والثقافية القادرة على المواجهة الحضارية على خريطة برامج القنوات الأرضية والفضائية، ومجموعة القنوات التخصصية .. هدر أموال وخبرات بلا رؤية واقعية تتفاعل مع المتغيرات الخطيرة على الأرض؟ أى الأمورأخطر.. أن تبث مثل تلك القنوات موضع الاتهام- على سبيل المثال- وصفات علاجية يوصى بها مجموعة من الدجالين والأفاقين، أم يأتى- للأسف- على لسان أطباء أخطاء علمية ومهنية يطل علينا من شاشة حكومية، فالخطورة الناشئة من وجود مصداقية لجهاز حكومى وطبيب متخصص لا يمكن مداواتها بسهولة.. فى مقال هام للطبيب الكاتب البديع ذكرأن هناك توصية جاءت على لسان خبيرة تغذية أن الفراخ البيضاء تسبب العجز الجنسى وسرطان الثدى وتكيس المبايض بسبب حقن الهرمونات التى يأخذها الكتكوت فينمو فى 40 يوماً ليتحول إلى دجاجة مدمرة للصحة المصرية! وبمثل هذه الشائعات التى تلوكها الألسن عن الربط بين الفراخ البيضاء والعجز الجنسى وما أدراك ما هو العجز الجنسى والفزع منه والأساطير حوله عند المصريين!!، كل هذا يتم دون أدنى محاولة لإجهاد الذهن بقراءة مراجع علمية عن تربية هذا النوع من الدواجن وعن أسباب العجز الجنسى وعن كيفية تخزين وعمل الهرمونات.. أين الرقابة على قنوات الحكومة، وهى الأكثر خطورة لأنها الأكثر مصداقية فى الشارع المصرى؟! فى القضية الشهيرة الخاصة بالتجاوزات المالية والإدارية لمسئولى قطاع الأخبار فى التليفزيون المصرى، كان من بين المخالفات تكرارظهور أطباء ووجود شبهة عمليات بيزنس سلبية على حساب تقديم أصحاب الكفاءة العلمية، واليوم يتكرر ذلك فى أحيان كثيرة عبر عدد من الشاشات المصرية، وكذلك فى الشأن الدينى والقانونى، فما هى الضوابط الحاكمة فى مراقبة كل الشاشات دون تمييز ؟ ويا أخوتى فى الوطن الأمر جد خطير، والفضاء على اتساعه بات ضيقاً، فبعد أن كان يصعد عبره الكلم الطيب وتكبيرات العباد، وتراتيل الحب والسلام.. شغلناه بمساجلات العار والتخلف، ومنازلات التكفير والتحقير والتسفيه.. ارحمونا .. لقد توهتمونا فى زمن يعيش فيه البشر مستمتعاً بمنتجات الحضارة، ولكن والأهم مشاركاً فى صناعة تلك المنتجات بعد أن أكتفينا بدور المستهلك!!