قال بعض العقلاء إن فاروق حسنى يدير معركة الترشيح لليونسكو بمفهوم المجالس المحلية، ويتحدث كثيرا عن موقفه المناهض للممارسات الإسرائيلية، ويعلن عن موقفه المناهض للتطبيع مع الكيان الصهيونى، وهو موقف ثابت لوزير الثقافة المصرية تحمل فى سبيله الكثير من المتاعب. وما قاله العقلاء أثر فى طريقة حسنى وتناوله لتلك القضية الشائكة، وكم تمنى ألا يتعرض لها من قريب أو بعيد آملا ألا يثار الأمر برمته فى الإعلام المحلى أو العالمى، وبدأ الرجل يغير من طريقته فى إدارة الصراع غير أن الرياح جاءت على عكس ما يشتهى حسنى، وأثير الموضوع مرات ومرات. وقد حاول فاروق حسنى أن يمسك بالعصا من المنتصف متصورا أن ذلك يكسبه الفريقين ويخفف من وطأة الهجوم عليه من المناهضين للتطبيع والداعين إلى استخدام لغة العقل فى معركة عالمية، يختلف فيه الصراع عن انتخابات المحليات فى كفر طهرمس. والحقيقة أن فاروق حسنى بدأ يخسر الطرفين فلا اليهود راضون عنه ولا المناهضون للتطبيع مؤيدون له، وهو كالذى أراد أن يصلى داخل خمارة ليحظى برضا المتدينين ويحصل على دعم السكارى، وهو بذلك إن كسب الفريقين خسر دينه وربه. ما أقصده أن لوزير الثقافة المصرى موقفاً نبيلاً من التطبيع ويرى ما يفرضه المنطق والعقل والتاريخ، فالتطبيع مرتهن بالسلام فى المنطقة كلها ولهذا الموقف تبعاته فى الشارع العربى كله، فالقاهرة أول عاصمة توقع اتفاق سلام مع الكيان المحتل مازالت صامدة فى وجه المعتدين، ومازالت مصر أكثر شعوب الأرض مقاومة للمحتلين، وأثبتت للحكومات أن توقع ما تشاء من اتفاقيات وللشعب كلمة أخرى. وقد اتسق موقف فاروق حسنى مع الموقف الشعبى وظل طوال فترة وجوده بوزارة الثقافة حائط صد قوى ضد محاولات الاختراق الصهيونى لقاهرة المعز مهما قيل فى هذا المجال، واكتسب حسنى ثقة الجميع فى هذه القضية وكان طوال عمره واضحا فى موقفه، ولم يزايد على هذا الموقف وخاض معارك شرسة.. حقق انتصارات وأصابته لعنة الانتكاسات غير أنه ظل محافظا على موقف واضح لا يمكن إنكاره أو الاستهانة به. نأتي إلى مربط الفرس كما يقولون لنقول لوزير الثقافة: ماذا ستكسب لو فزت بالمنصب وخسرت نفسك؟ وكيف تزور إسرائيل وهى دولة عضو فى الأممالمتحدة، وسيفرض عليك المنصب الجديد ما عشت عمرك تناهضه وتقف ضده؟ وهل يساوى المنصب أن تخسر نفسك وليس فى العمر ما يستحق أن تبيع نفسك من أجله؟ وما هو إحساسك وأنت تصافح قتلة الأطفال وجزارى الإنسانية؟ إننى أتصور أن الأمر أصعب بكثير مما تتصور وأنت صاحب مواقف نبيلة لا ينكرها إلا جاحد. والحقيقة إنك لم تفعل ما فعله غيرك تحت دعوى أن مصر وقعت اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وكان يمكنك أن تفعل ذلك وتردد ساعتها أن الوزير لا يستطيع أن يلغى اتفاقيات وقعتها مصر، ومصر بلد يحترم اتفاقياته ونشهد أنك كنت من المجتهدين فى تصرفاتك وأنك رفضت ما وافق عليه غيرك عن قناعة ورضا، وقررت أن تكسب نفسك منذ البداية. صحيح هذا الموقع إضافة لمصر، ولكن مصر الناس.. مصر الفلاحين والبسطاء.. مصر الشارع والجماهير.. مصر الصنايعية والتجار.. مصر الفقراء والأغنياء سوف تقدرك مواطنا مصريا خالصا، وسوف تلعنك بائعا مستسلما من أجل موقع زائل. وأقول والحق ما أردد أن موقعا نخسر بسببه قضية أكثر كارثية من موقف يفكر فيه العالم أياما وربما شهورا يرفض إغراءات المنصب من أجل قضية عادلة.. قضية إنسانية من الدرجة الأولى.. قضية تؤمن بها ما مضى من عمرك.ومما لاشك فيه أن رفضك الاستسلام والبيع والتراجع سيضيف إليك.. سيكون شعاع أمل لأمهات فقدن أطفالهن تحت عجلات الدبابات الإسرائيلية.. سيكون نقطة ضوء فى بحر من الظلم والظلمات يتعرض له أشقاؤك المغتصب وطنهم. أعرف أن القرار ليس لك وحدك وأدرك أن المسألة أصعب من المتوقع، ولكنى على يقين أن فوزك بقلوب الناس أكبر من كل مناصب الدنيا، وإنك إن خسرت نفسك فلن تجد شيئا تتركه فى رصيدك لكى يذكرك به آباء فقدوا ذويهم وأمهات يفتخرن بأبنائهن من الشهداء.. فكر قليلا فى تاريخك وقناعاتك وحسك الفنى، وساعتها ستقرر أن الفوز بالقلوب أكبر من كل الكراسى.