منذ أن دخلت الحملة الفرنسية مصر غازية، وهناك كلام داخل العقول والنفوس لما هم هكذا، ونحن هكذا، بمعنى لم هم تفوقوا بهذا الشكل ونحن وصلنا إلى تلك الدرجة من التخلف والتجمد. وقد انشغلت صفوة المجتمع بهذا السؤال واتفق الجميع على أن سوء الفهم للإسلام والحياة ذاتها والهدف منها هو سبب التخلف الذى نحن نعيش فيه (رأى عائد إلى أيام الحملة الفرنسية وأيامنا وما بعد أيامنا....). وفى المقابل خرج فريق يرى أن سبب ما نحن فيه هو بعدنا عن الإسلام، وصدرت الكتب وكتبت المقالات، وتناثرت الأقوال، دارت الحوارات وأخذ كل فريق يقدم حجته بأن تأخرنا بسبب بعدنا عن الإسلام فى مقابل الفريق الآخر الذى يرى ويؤكد على أن سبب تأخرنا حدث بسبب عدم فهمنا للإسلام – إلى أن أتى يوم الاثنين الموافق الخامس من حزيران 1967 لكى تقع الهزيمة التى قسمت ظهر العرب، والمثقفين خصوصاً، إلى فريقين، فتم تعديل السؤال لكى يواكب العصر إلى –هل وقعت الهزيمة بسبب بعدنا عن العلم- أم بسبب بعدنا عن الدين، وهنا يجب ألا ننسى رأى الشيخ الشعراوى فيما حدث فى الخامس من يونيو 67 بأنه سجد لله شكرا على الهزيمة. وبسبب هذا الجدل الانهائى ضاع مستقبل أجيال كثيرة بسبب هذا الجدل، وكل فريق متمسك برأيه وأفكاره، وإن ذهبت البلد وشبابها إلى الجحيم فضاعت الأمة بين الأمم وتهاوت حضارة كانت رمانة الحضارات وانشغلنا بأبسط الأشياء. وقد صدق شاعرنا العظيم أبوالطيب المتنبى عندما وصف حال المسلمين على مر تاريخهم "أحف الشارب هو الغاية يا أمه ضحك من جهلها الأمم". فقد انشغلنا ببناء المساجد ونسينا وأهملنا عمداً بناء المعامل والمصانع مع أن "الله سبحانه وتعالى جعل لنا الأرض كلها مسجداً، أى صلى فى أى مكان توجد فيه ووجبت الصلاة شرطاً واحداً، فقط أن تكون الأرض طاهرة فى الغيط على شط البحر، فى المصنع، فى الصحراء وأنت جالس فى الفراش أن كنت مريضا (كفانا الله وإياكم شر الأمراض). إن أخطر مرض واجه المسلم على مر تاريخ الإسلام هو الفصل بين الدين والحياة وزرع إحساساً عميقاً داخله بأنه خلق ليموت، أى أن العبادة هى الغاية، مع أن الإسلام يقول لنا إن الغاية الأول من خلق الإنسان هى تعمير الأرض، أى أن يكون الإنسان خليفة الله فى أرضه بعلمه ودينه.. فإن كنا المسلم سوف يحاسب على الصلاة والزكاة والحج فإنه كذلك سوف يحاسب على موقعه من التقدم الحياتى الذى للإنسان دخل فيه بمعنى لدينا ثروة جبارة فى القرآن الكريم وثروة هائلة فى باطن الأرض وعلى ظهر الأرض.. وفى الأفراد ورغم ذلك فى الدرك الأسفل من الحياة. إن كنا نريد الآخرة، فلابد لنا أن نكسب الدنيا نعمل ونبنى وننتج ونكون أقوياء يهابنا الأعداء بالاسم وليس بالفعل. يحدث هذا عندما نعلم ونفهم أن الإسلام وجد لنا لكى نكون أقوياء فى حياة صعبة لا تأخذ بالتمنى وإنما بالعلم والدين والعمل والإخلاص، إن كنا نريد رضاء الله فى الدنيا والآخرة لأننا لو كنا فى مصاف الدول المتقدمة لكنا قد خدمنا الإسلام خدمة العمر كله. لكن نقول لمين فنحن نضيع عمرنا وثروتنا ما بين النقاب واللحية.