عندما تنظر فى عينيها لا ترى حياة أحاسيس ذابلة ابتسامة تائهة تبحث عمن يجلو ترابها ويعيد إليها النبض من جديد، أشعر بمرارة الكلمات تخرج من بين شفتيها ترسم خطوطا صفراء على وجهها الأبيض المغموس فى حمرة داكنة تحكى كيف تلقت الظلم فى صباها سهاما متتالية حتى استقرت فى عمق قلبها الغض البرىء. قالتها ولم تخجل ( اخدت حقى بإيدى، كان لازم أشوهه ) ارتج جسدها بحرقه الإحساس بغدر الزمن وظلم الأهل فأوشكت أن تسقط مغشيا عليها أمسكت بيدها ودعوتها للجلوس، فالوقت أمامنا، لتحكى ما فى جعبتها. كانت تؤمن رغم بساطتها بأن العلم كالماء والهواء، ويوم قرر والدها أن تبقى فى البيت فقدت قدرتها على استنشاق الهواء نقيا. بكت.. توسلت.. انهارت فلم تجد سوى فراغ صوتها بلا صوت. سنوات عاشتها لا تدرى عددها رغم كثرتها لكنها مرت! حتى جاء محمد يمد يده بحب كبير وقلب طيب. لوهلة ظنت أن الحياة تلونت بكل ألوان الطيف التى طالما عشقتها فى طفولتها وتمنت أن يكون محمد حبيبا وزوجا وأبا يعوضها سنوات موتها بين أب لا يعرف قلبه سوى قسوة المشاعر، وأم ردود أفعالها واحدة السكون واللامبالاة. تمسكت بقشة محمد وحلمت وغاصت فى الأحلام حتى جاءها من يعكر صفو أيامها شقيق زوجها (سيد) لا يعرف فى الحياة إلا مزاجه وما يفرضه مزاجه من أمور. قاموس من المحرمات يحمله على كتفيه.. مخدرات وبلطجة وإيذاء البشر. حكت هدى كل ما يتخيله إنسان وما لا يتخيله. أدركت بفطرتها الدافئة السوية الخطر القادم فحوطت بناتها بين جناحيها ولملمت أسرارها وخصوصيتها داخلها. لم تنس أن تنبّه محمد للشر القادم من أقرب الناس إليه لكنه كان يراه أخاه لحمه ودمه. لايجوز بتره مهما حصل. حاستها كامرأة شعرت أن سيد لا ينظر إليها كامرأة محرمة عليه، بل كامرأة لعوب يمكن أن يمتلكها وقتما شاء. حاول كثيرا لكنه فشل. خافت من البوح خوفا على مشاعر محمد وإشفاقا من هول الصدمة. اكتفت بإقناع محمد أن بقاءهم فى منزل العائلة أصبح مستحيلا، وأغرقته بمبررات لم يجد فيها ما يقنعه، كأنه تحالف مع شيطان أخيه للنيل من شرفه. قررت فى لحظة ما أن تلفت نظره لنظرات وتحرشات أخيه فانقلبت الحقيقة إلى اتهام لها فى شرفها. أدرك سيد حيلتها وبدأ النيل من رأس أخيه ولم يكتف. حتى بناته الثلاثة لم يعدن من صلبه، هكذا انتهى الحال بمحمد.. سد أذنه أمام توسلاتى طلقنى بدم بارد كأن ما كان بيننا من حب بلا لون أو طعم أو رائحة. ظننت أن ما حدث لى هو أسوأ ما يمكن. حتى حدث ما هو أسوأ.. جاءنى سيد يمد يد الصلح والغفران.. شفاهه تبتسم ابتسامة عريضة لكننى استشعرت غدرا فى قلبه. اعتدلت فى جلستى على كرسى الاستجواب، فالقادم أكثر إيلاما. ومازال الصول فتحى يدون ما تمليه علينا هدى من مفاجآت. انتفضت هدى انتفاضات متتالية، وغاصت عيناها داخلها كأنما تتذكر ماحدث. شككت فى أمره بعد أن أمطرنى بكلامه المسموم أن أسامحه على أن يساعدنى فى العودة لمحمد. فهو قادر على إقناعه بأن كل هواجسه بلا مبرر. لم أعرف أن الثمن سيكون ابنتى ندى التى لم تكمل العاشرة من عمرها. كان يأتى فى غيابى متعمدا وأنا فى عملى لكن الله وحده ما جعلنى أعود فى ذلك اليوم مبكرا. كانت ندى بمفردها واختاها عند جدتهم. شىء خارج عن إرادتى جعلنى أفتح باب الشقة بالمفتاح، وجدت ندى بين يديه عارية غائبة عن الوعى، يحاول افتراس جسدها البرىء، فلما رآنى فر هاربا. لن يصدقنى محمد كعادته. سأذيق سيد نفس العذاب. اشتريت زجاجة «مية نار» أخفيتها فى حقيبتى. ذهبت إلى بيته لحسن حظى فتح لى الباب. شوهت وجهه بمية النار (ده تمن تشويه سمعتى وسمعة بناتى) ابتسمت وارتشفت كوب الماء أمامها واستراحت فى جلستها.