حالة من الانفصال الفكرى تتضح بين مواقع التواصل الاجتماعى والشارع بدأت قبل ثورة يناير بفترة وانعكست تماما بعد نتائج انتخابات البرلمان المصرى الحالى، فقبل ثورة يناير كان الفيس بوك يضج بالحشد للثورة بينما الشارع المصرى كان يضحك على هؤلاء الشباب الذين يعلنون عبر الإنترنت عن موعد ثورتهم، ولم يكن أحد يتوقع أن تنجح تلك الدعاية والحشد الشبابى فى زحزحة نظام ظل مستقرا لعقود. وبصرف النظر عن نظرية المؤامرة والأجندات الخارجية فقد انصاع الشعب للحشد الإلكترونى فى النهاية ونزل إلى الشارع منفذا ما يريده هؤلاء وأصبح الفيس بوك من الأسباب الرئيسية لنجاح أو فشل أى شخص بل إنه أصبح أحد المصادر الرئيسية للمعلومات والتخطيط والدعاية ما جعل البعض يطلق عليه: حروب الجيل الرابع. وهكذا انخدع الجميع وبدأوا يستغلون تلك القوة الجديدة فى الضغط على الإعلام والحكومة والمؤسسات صحيح أنه موصل جيد للمعلومات خاصة الموثقة بالفيديو لكن ما حدث فى انتخابات برلمان 2015 قلب كل موازين العقل المصرى فهناك أشخاص بأعينهم ظلت مواقع التواصل الاجتماعى تحشد- سواء ضدهم أو لهم- معتقدين أن الشعب المصرى متوحد عبر الفيس بوك كما حدث من قبل وتناثرت الفيديوهات الساخرة من البعض والصور التى توضح انتماء بعض المرشحين لكل نظام سابق وتالى وحالى. وما بين فيديوهات "السباب والهرتلة وحديث المصاطب وفرش الملاية والتخوين وغيرها" لإسقاط بعض الأشخاص عبر مواقع التواصل وبعض القنوات الإعلامية وبين ما حدث فعليا على أرض الواقع كانت المفاجأة فالشارع المصرى لم ينصت لكل هذا وكانت له اختيارات مغايرة تماما فبعض الذين كانت صفحاتهم الشخصية زاخرة بالأصدقاء وصور حملاتهم الانتخابية الضخمة وتحركاتهم الكثيرة والعدد الهائل من المؤيدين الذين يظهرون معهم فى كل صورة وكل مسيرة وكل فعالية.. لم ينجح منهم أحد. وعلى العكس بعض من كانت صفحاتهم أقل عددًا واضطروا لدفع المال للفيس بوك لإظهار نشاطهم لعدد أكبر من مواطنيهم بينما بعضهم هبط على دائرته- بالباراشوت كما يقولون- نجحوا وأصبح لهم مقعد فى البرلمان. وعلى العكس أيضا هؤلاء الذين كان تواجدهم فى دوائرهم مكثفا قبل "هوجة الانتخابات" والكل يؤكد أنهم "بيخدموا فعلا من غير حاجة" سقطوا سقوطا مدويا بينما بعض رموز الحزب الوطنى أو حتى أولادهم نجحوا ومن أول مرحلة، وبعض رموز الثورة – سواء يناير أو يونيو – لم يستطع أحد منهم الوصول للبرلمان رغم الحشد له من شباب مواقع التواصل الذين – ربما – اكتفوا بالحشد عبر الإنترنت ولم يكلف أحد خاطره بالنزول للانتخابات للمشاركة الفعلية. أما الأغرب من ذلك فكانوا دعاة المقاطعة الذين لم يرغب أحد منهم فى تغيير نمط الانتخابات بإسقاط شخص يرفضه أو بالمساهمة فى عمل واجبه نحو شخص يعتقد أنه جدير بالثقة ثم عادوا يتندرون ويصرخون أن هذا البرلمان لا يمثلهم ونجد ظواهر تحدث للمرة الأولى حيث يكتسح بعض المرشحين بعدد هائل من الأصوات بينما مواقع التواصل ترفضهم تمامًا وآخرون قدموا المال السياسى كرشاوى انتخابية وسقطوا وسنجد أيضًا أن عدد النائبات أكثر من معظم البرلمانات السابقة، رغم عدم وجود كوتة صريحة خاصة بالمرأة، بل وسنجد أن السن لم يعد حائلا بين دخول المرأة البرلمان فأكبر الأعضاء سنا سيدة وهناك شابة من أصغر الأعضاء سنا وهى نائبة من بورسعيد، ونجد أنه فى بعض الدوائر حافظ الناخب على نفس الوجوه القديمة الثابتة منذ سنوات وفى دوائر أخرى قرر الناخب عدم انتخاب أى من الوجوه التى سبق لها الترشح وليس النجاح فى دخول البرلمان وكأن للشارع حسابات أخرى. ربما يعلمنا ذلك ألا نثق كثيرا فى مواقع التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام بقدر ثقتنا بالمواطن البسيط الذى لم يترك عقله - هذه المرة - لغيره ليملى عليه ما يفعل، بل قرر عدم المقاطعة ودعم شخص بعينه يرغب فى وصوله للبرلمان أو على الأقل قرر ممارسة حقه الانتخابى لضمان عدم دخول أشخاص لا يريدهم.