لو أصاب الصداع محاصَراً فإنه سيتناول قرصاً من الدواء المعد لتخفيف ألم الصداع، قد يكون الحصار سبباً مباشراً للصداع، النتيجة المحتملة سيزول الصداع ويبقى ألم الحصار، فالحصار لا يمكن تخفيفه بأقراص المسكن؛ إذ إنه لا يغدو مرضا عضويا، بل هو حالة نمطية مأساوية لا يمكن تخفيفها إلا إذا زال المسبب، الدعوة الإسرائيلية إلى تخفيف الحصار على الشعب الفلسطينى فى غزة تعنى فى لغة العقلاء البحث عن حصار آخر يتناسب مع الحالة التى أعقبتها الظروف السياسية المستجدة، وأعنى بذلك ما بعد الجلجلة التى أطلقتها أرواح نشطاء قافلة أسطول الحرية فى سماء البحر المتوسط فوق رؤوس الفايكنج الإسرائيلى. الحصار لا بد أن يزول ظله الثقيل، ومن حسن الحظ أن عقارب الزمان لا تعود إلى الوراء، فما قبل أسطول الحرية يختلف عما بعدها، لكن حسن استغلال الظرف الحالى يتطلب توحيد الكلمة وصياغة موقف واحد لا ازدواجية فيه نحو رفع الحصار البرى والبحرى عن غزة، والمطالبة بمعاقبة قراصنة البحر المتوسط، لردعهم عن مجرد التفكير بتكرار مثل تلك التجاوزات، وإجلالاً لدماء الشرفاء التى نزفت دفاعا عن حق الآخرين فى الحياة. المعنى الحقيقى للحصار يمكن تعريفه عند الرجوع ثلاث سنوات إلى الوراء، إذ إن مليون وسبعمائة ألف فلسطينى يقطنون قطاع غزة المنكوب، منع عنهم دخول المحروقات والكهرباء والكثير من السلع، من بينها الخل والبسكويت والدواجن واللحوم ومنع عنهم الصيد فى عمق البحر، وأغلق معبر رفح المنفذ الوحيد لهم إلى العالم الخارجى من جانب مصر، كانت النتيجة الاعتماد الكلى على المساعدات الخارجية، وعندما أشرقت شمس هذه المساعدات حاول أطراف ما فوق القانون إخماد خيوطها. السؤال الذى يطرح نفسه هل ستقتضى عملية "تخفيف الحصار" على وحش المعاناة الذى ينهش جسد المحاصر؟ وهل سيُشفى المريض ويُطعم الجوعان؟ و هل ستُبنى أسقف إسمنتية تقى الناس من أهوال الشتاء والصيف؟ وهل ستتم الإجابة عن تساؤلات ورثناها عن محمود درويش "يا سادتى الطيبين أأرض البشر لكل البشر؟".