أربع سنوات مرت على الأزمة السورية، لكن هذا العام شهدت منعطفًا جديدًا، وهو تزايد أعداد اللاجئين السوريين المتوافدين على أوروبا عبر البحر، على أمل الدخول والحصول على صفة لاجئ على أقل تقدير، ومع أن أوروبا هى قبلة اللاجئين من أفريقيا والدول النامية الأخرى، فإنه للمرة الأولى التى تتصدر فيها مسألة اللاجئين أجندة أوروبا، الأمر الذى دفع بعض الدول إلى تعليق العمل باتفاقية «شينجن»، ومن بينها ألمانيا، فى تهديد واضح وصريح لكيان الاتحاد الأوروبى. بخلاف مسألة اللاجئين السوريين التى جرى تضخيمها وإعطاؤها حيزًا أكبر، سواء فى التغطية الإعلامية، أو التعامل السياسى، فهى ليست القضية الأولى التى تهدد وجود الاتحاد الأوروبى الذى يتميز عن غيره من بقية المؤسسات الإقليمية بأمرين، الأول اتفاقية «شينجن» التى تضم 26 دولة أوروبية، والتى تلغى جواز السفر، والضوابط الموضوعة للهجرة على الحدود المشتركة الداخلية بين الدول الأعضاء، ما يعتبر جميع الدول بمثابة دولة واحدة فى أثناء السفر، ويخلق سياسة تأشيرات مشتركة، ويلغى الرقابة على الحدود الداخلية مع أعضاء الدول الأخرى، بجانب تعزيز الرقابة على الحدود الخارجية مع الدول غير الأعضاء. الأمر الثانى، هو العملة الموحدة «اليورو» التى تجمع دول الاتحاد إلا قليلاً، ومن بين القليل بريطانيا التى لا تزال متحفظة على العملة الأوروبية الموحدة. من يتابع الأوضاع حاليًا فى أوروبا يجد أن أكبر داعمين لها مهددان، فاتفاقية «شينجن» فى طريقها للإلغاء، أو على الأقل فرض قيود على حرية الحركة بين أوروبا، فبعض الدول تتجه إلى فرض اشتراطات أمنية ستفرغ الاتفاقية من مضمونها وقيمتها التى أنشئت من أجلها، كما أن العملة الموحدة أصبحت محل نقاش حاليًا بشأن جدواها، خاصة بعد الأزمة اليونانية التى هددت فكرة العملة الأوروبية الموحدة، وسيزداد هذا التهديد إذا ما قررت اليونان الانسحاب من منطقة اليورو، لأنه فى هذه الحال ستكون هناك دول أخرى مرشحة للخروج، بما يعنى أنه بمرور الوقت سيكون «اليورو» عديم الفائدة. إذا انهارت «شينجن» و«اليورو» فإن الاتحاد الأوروبى كيان منهار، وسيصبح مثل جامعة الدول العربية بلا قيمة ولا فائدة، وهذا ما دفع بعض المحللين والسياسيين إلى الحديث عن فكرة وجود أيادٍ تعبث باستقرار الاتحاد، والعمل على تدمير الأسس التى يقوم عليها، وأن هذه الأيادى ضخمت من أزمة اللاجئين السوريين كتمهيد لتعيد أوروبا النظر فى «شينجن»، كما أنها ساعدت على استفحال الأزمة اليونانية لتضرب استقرار اليورو. الحديث يدور حول دور خفى للولايات المتحدةالأمريكية فى هذا الشأن، وكلها أحاديث تحكمها نظرية المؤامرة التى يرفضها كثيرون، لكن أيًا كان الأمر، فإن أوروبا بالفعل مقبلة على تحديات كبرى ربما ستنهى فكرة الاتحاد إذا لم يتم التعامل معها وفق استراتيجية سياسية، وليست أمنية تصادمية.