برع المخرج الجزائرى لطفى بوشوشى، فى صياغة مفردات أحداث فيلمه «البئر» بحرفية شديدة، وهو العمل الذى حصد 4 جوائز، أفضل مخرج وأفضل فيلم وأفضل سيناريو لمحمد ياسين بن الحاج وأفضل ممثلة نادية قاسى فى مهرجان الإسكندرية السينمائى مؤخرا. المخرج لطفى بوشوشى استطاع أن يغزل الخيوط الدرامية للعمل ويخطف قلوب المشاهدين منذ أول مشهد يطل به بوشوشى على الجمهور، حيث تظهر «فريحة» والتى تجسد دورها النجمة نادية قاسى وهى فى حالة حزن وضيق شديدة بسبب نقص المياه، حيث تقوم بسقى أحد أطفالها كأسا صغيرة من المياه دون إخوته، وعندما يطلب أشقاؤه المياه ترفض وتقول لهم ليس الآن، ليتضح من اللحظة الأولى أن تلك الأسرة تعانى من نقص المياه، وهو سبب إعياء الأم وأسرتها بالكامل، ولحظات وتصرخ أم طاهر بأعلى صوتها منادية على ولدها طاهر الذى استيقظت من النوم فلم تجده لتلف على كل منزل بالقرية لتبحث عنه لينتهى بها المطاف فى النهاية لمحاولة الخروج من قريتها فتنفجر رأسها، إثر طلقة من الاحتلال الفرنسى. إيقاع العمل الذى وضعه المخرج لطفى بوشوشى جعل جمهور الفيلم فى حالة يقظة مستمرة، فكلما خاض المتفرج فى مشاهد الفيلم وضع يده على قلبه وحبس أنفاسه بسبب المشاهد المتلاحقة والمعاناة المستمرة التى يعانى منها أهل القرى. أجاد المخرج لطفى بوشوشى فى عناصر العمل كاملة بداية من أزياء الفيلم التى جاءت وكأنها حقيقة فى تلك الحقبة التاريخية والتى تعود للخمسينيات، إلى جانب المكياج الذى جاء معبراً جداً عن الحالة التى يرثى لها، والتى وصل لها أهل القرية بسبب الحصار الذى فرضه الاستعمار الفرنسى، كما أن اختيار الممثلين وفق فيه لطفى بشكل كبير ليس فقط فى اختيار كبار الممثلين مثل نادية قاسى وإنما فى الأطفال أيضا ممن جسدوا أدوارهم وكأنهم نجوم كبار، معبرين عن مشاعرهم بالعمل بكل حرفية، وهو الأمر الذى برره لطفى بوشوشى قائلا، إنه يرى نفسه موهوبا فى التعامل مع الأطفال، وإنه لم يبذل جهدا كبيرا مع نجوم الفيلم من الصف الأول بقدر ما بذل مجهودا مع الأطفال والنجوم من الصف الثانى بالفيلم. لطفى بوشوشى عبر عن مشاهد القهر والظلم والمعاناة التى يعيشها أهل هذه القرية والمتمثلة فى النساء والأطفال وبعض الشيوخ، وذلك بسبب انشغال رجال القرية بجهاد الاستعمار خارج القرية، من خلال حصر الكاميرا فى كادرات رغم وسعها إلا أنها لا تظهر إلا القرية والصحراء فى إشارة إلى أنه لا مفر من الحالة التى يعيشها أهل القرية، وهو ما أشعر المشاهد بحجم الألم والمعاناة التى يعيشها أهل القرية المتهالكة والتى أكد لطفى أنه بناها خصيصا فى قلب الصحراء على نفس الطراز وقت أحداث الفيلم. الفيلم يتناول قصة قرية فى صحراء الجزائر تتم محاصرتها من قبل جنود الاستعمار الفرنسى، حيث يشتبه الجيش الفرنسى بأن القرية تؤوى مجاهدين قاموا بالقضاء على «كوماندوز» فرنسى، فيجد سكان القرية أنفسهم محاصرين من قبل جنود المستعمر، وهو ما اضطر أهل القرية من النساء إلى عصر البصل للحصول على مياه تروى عطش الأطفال، إلى أن تقرر نساء القرى ومنهن «فريحة» والتى تجسد دورها نادية قاسى و«خديجة» الخروج من القرية وتحدى الاستعمار بتقديم حياتهن فى مقابل الخروج والحصول على حقهن فى الحياة، إلى أن يموت شيوخ القرية فور خروجهم من القرى حاملين أوعية لحمل المياه، ورغم استشهاد الشيوخ على أعتاب القرية فإن نساءها لم يخفن الموت، وهو ما أربك جنود الاحتلال وجعلهم يتراجعون عن قتل أهالى القرية ممن تحدوا الاحتلال وخرجوا بحثا عن الحياة.