تاريخياً، تعتبر إسرائيل نفسها دولة ولدت فى جغرافيا مليئة بالعداوات، بالتالى لا يمكن لأى اقتصاد أياً كان أن يحل مشكلات دولة من هذا التصنيف، غير أن إسرائيل التى تعرضت لهجرات اقتصادية متوالية وتستقطب هجرات فقيرة من اليهود فى جميع أنحاء العالم، نجحت شئنا أم أبينا فى أن تصبح قوة اقتصادية ناهضة. فى مرحلة ما قبل الدولة وحتى 30 عاماً لاحقة، كان الاقتصاد بيد الدولة وفقاً لسياسة اشتراكية، وفى نفس الإطار كانت السلطة الحاكمة هى التى تدير اقتصاد المعونات. الاقتصاد الإسرائيلى ظل على هذه الحالة حتى هبت عليه أجواء ليبرالية مع احتلال سيناء والجولان والضفة الغربية عام 1976، توسعت معها رقعة المساحة الزراعية التى تهيمن عليها إسرائيل. وفى عام 1977 حدث انقلاب ضخم أطلق عليه انقلاب السفارديم، وهى الطبقة الإسرائيلية التى سعت للمطالبة بنصيبها من الثروة معتبرة أن سياسة الاقتصاد الإسرائيلى عنصرية وأنهم يعملون بأقل الأجور، وحتى هذه المرحلة كانت الدولة هى التى تتحكم فى عصب الاقتصاد حتى جاءت أحزاب أخرى كالليكود إلى الحكم، وبدأت تنتهج سياسة الخصخصة والتحول إلى ليبرالية اقتصادية كلية. إسرائيل إذن لم تعرف سيطرة العائلات على الاقتصاد عند تأسيسها، وجماعات ما قبل الدولة التى كانت تمثل عصب الاقتصاد الإسرائيلى التقارب فيما بينها كان يقوم على أساس الحزب والجماعة السياسية وليست العائلة، حتى بدأ التوسع فى اقتصاديات التكنولوجيا والمعرفة إلى حد كبير، وهى التى دفعت مجموعات ذات خبرة إلى تأسيس هياكل كبرى تحولت فيما بعد إلى النمط شبه العائلى أو العائلات الصغرى التى لم تكن على نفس المستوى العريض للعائلات العربية اليهودية مثل "بصيلى" و"قطاوى" وغيرها من العائلات التى بلغت أملاكهم فى مصر ملايين الدولارات، أو المليارات بحسابات اليوم، ولا يزال منهم من هو على علاقات بالعرب مثل "هنرى بوليتى" اليهودى المقيم فى جنيف، وهو مصرى الأصل، كان والده يملك مجموعة من دور العرض السينمائية فى مصر. 16 عائلة تسيطر على مفاصل الاقتصاد الإسرائيلى حالياً، لكنها لا تتحكم فيه بالطبع. وهى صورة لا تختلف كثيراً عن مثيلاتها فى كل الرأسماليات الكبرى. أغنى عائلة فى إسرائيل "فرتهايمر" التى أبرمت صفقة القرن من خلال شركة "إيسكار" التى تعد أفضل شركة فى العالم فى إنتاج شفرات الحلاقة وموجودة فى المنطقة الصناعية فى الجليل، واشتراها وارن بافت ثانى أغنى رجل فى العالم ب 4 مليارات دولار من رب العائلة "ستيف" وهو ألمانى الأصل، انخرط فى العمل السياسى الإسرائيلى وكان عضواً فى الكنيست قبل أن يتقاعد ويتفرغ لأعماله الخاصة. أثرياء إسرائيل الكبار معظمهم هاجر من إسرائيل ليستقروا فى الغالب فى لندن، بل يوجد تجمع لهم فى حى "هامبستيد". "سامى لبيب" ثانى أكبر أثرياء إسرائيل انضم إلى القائمة مؤخراً بداية العام الجارى واشترى قصراً هناك فى لندن ثمنه 35 مليون استرلينى ، تاركاً أبناءه السبعة فى إسرائيل بمجموعة من الشركات تحمل اسم عائلتهم ، وهو صاحب مناجم للألماس فى روسيا وأنجولا ونامبيا، تقدر بعض التقارير الدولية أن ثلث تجارة الألماس عالمياً تخرج من شركته، كما كان يمتلك مبنى فخماً فى الولاياتالمتحدةالأمريكية اشترته مجلة نيويوركر بنحو 600 مليون دولار ليكون مقراً لها، اشترى مقابله محلاً فخماً لبيع المجوهرات فى "ماديسون أفنيو" فى نيويورك ، وبمجرد انتقاله إلى لندن العام الجارى انخفضت البورصة 11 نقطة بسبب تحويل استمارات شركة "الإسرائيلية الأفريقية" للاستثمار التى كان يملكها. عائلات زافى وشتاينميتز وشمعون كانت على نفس المنوال ممن خرجوا بتجارتهم إلى أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية بدعوى حماية مصالحهم بعيداً عن السياسة، تاركين خلفهم بعض ذويهم فى إسرائيل للعمل فى جزء من اقتصادياتهم الثانوية، وأشهرهم زافى ميتار مؤسس أضخم شركة قروض فى إسرائيل، وبينى شتاينميتزعملاق تجارة العقارات والألماس، ويجال زيلكا رئيس شركة "كوينكو" الدولية للترفيه، وسامى شمعون المتخصص فى تطوير العقارات. الأعوام الثلاثة الأخيرة كانت عائلة عوفر خلالها أكبر العائلات فى إسرائيل ، لديها شركة " إخوان عوفر" التى يمتلكها سامى عوفر، ثم العائلة الروسية الأصل بوروبيتش، ودنكر فى الترتيب التالى. عائلات همبورجر وزيسافل وفريدمان وسابان وفيتسمان وشتراوس التى تليهم فى الترتيب فمراكز تجارتهم الرئيسية فى إسرائيل ولديهم استثمارات فرعيه فى الخارج. العائلات ال 16 مثلت أرباح شركاتهم العائلية فى إسرائيل وحدها 114 مليار شيكل فى العام الواحد، كما تمثل هذه العائلات فى مجملها رصيداً اقتصادياً يشكل 20% من دخل 500 شركة اقتصادية فى إسرائيل. هؤلاء لهم علاقاتهم وتعاملاتهم مع رجال الأعمال العرب بالضرورة، يدخلون معهم فى شراكات اقتصادية وبزنس على مستويات مختلفة وعلى قاعدة أن السياسة لا تفسد للاقتصاد قضية. وهناك قطريون وسعوديون ومصريون وكويتيون ومغاربة وتونسيون.. وفلسطينيون بالطبع، العشرات من رجال الأعمال العرب لا يجدون غضاضة فى إبرام صفقات مع نظرائهم الإسرائيليين. ولم يعد سراً ذكر أسماء مثل السعودى الوليد بن طلال أو المصرى حسين سالم. وحجم التعاون المعلن يتجاوز 15 مليار دولار. المستثمرون الخليجيون يتسللون من بوابة عرب 48 البزنس العربى مع إسرائيل يمر عبر أجهزة المخابرات فى الوقت الذى ينطلق فيه رجال الأعمال الإسرائيليون خارج الحدود فى عملية غزو اقتصادى للدول الغربية، أشار تقرير البنك المركزى الإسرائيلى الأخير لعام 2007 إلى أن حجم استثمارات رجال الأعمال العرب فى إسرائيل بلغت نحو 15 مليار دولار، كما أشارت تقارير أخرى إلى أن هناك 123 مؤسسة إسرائيلية تعمل فى مصر. أشهر رجال الأعمال المصريين المتعاملين مع إسرائيل، حسين سالم، وهو شريك بحصة 40% من شركة البحرالمتوسط للغاز مع شركة ميرهاف الإسرائيلية، وجلال الزوربا رئيس اتحاد الصناعات ولديه استثمارات تقدر ب 100 مليون دولار فى مجال الغزل والنسيج، وسعيد الطويل الرئيس الشرفى الحالى لجمعية رجال الأعمال المصريين، والذى كانت لديه استثمارات فى مجال الألبان وتصديرها إلى إسرائيل أيضا. رجال أعمالنا المصريون ورغم أنهم مليونيرات وأحيانا بليونيرات، إلا أنهم بمثابة فقراء عند مقارنة ثرواتهم بنظرائهم الإسرائيليين وأقل نفوذا على المسرح الاقتصادى الدولى. سعيد عكاشة المتخصص فى الشئون الإسرائيلية يؤكد أن نهج سياسة التحرر الاقتصادى عالميا هى التى حركت هذا النوع من الاقتصاد المتبادل ، فلنعرف مثلا أن موقع تسويق عقارى إسرائيلى دخل عليه نحو 3500 فرد كان من بينهم 700 مصرى ليتعرفوا على شروط الاستثمار المتاحة من خلال الموقع، وبالتالى لم يعد العالم الاقتصادى القديم بشكلة التقليدى بل أصبح أكثر تحرراً عن ذى قبل. الاتهامات توجه لإسرائيل بأنها تعمل فى المناطق العربية تحت ستار ما وعلى خلفيات سياسية أو غيرها، وهى نفس التهم التى توجه إلى المصريين على وجه الخصوص الذين يدخلون فى شراكة اقتصادية مع إسرائيل سواء من خلال اتفاقيات الكويز وغيرها مثل اتفاقيات الغاز التى أبرمها حسين سالم مع نظيره الإسرائيلى جوزيف ميمان. وسالم من أوائل الذين استثمروا فى سيناء، كذلك بالنسبة للحديد أو الأسمنت وشركات المقاولات الإسرائيلية التى تعمل فى عدد من الدول العربية تحت أسماء مصرية. وهناك أسماء مصرية أخرى تتردد فى مجال التعاون الاقتصادى مع إسرائيل مثل د. حسن راتب، لكن هناك مقولة سائدة فى إسرائيل تقول بأن كل المستثمرين المصريين فى مشروعات اقتصادية يتبعون المخابرات المصرية أو على علاقة معها، وفى النهاية تبقى الاتهامات المتبادلة بين الطرفين هى مجرد شائعات واتهامات بلا أدلة. فى نفس السياق، هناك مجموعات اقتصادية من كل الدول العربية من الخليج إلى المحيط لديها علاقات اقتصادية مع إسرائيل، تحديدا المغرب العربى الذى فاقت إحصائية التصدير الإسرائيلية لدوله الثلاثة مليارات دولار سنويا. الاستثمارات عربية خليجية تعمل من خلال وكلاء من عرب 48 فى إسرائيل. ومن المعروف أن الأمير السعودى الوليد بن طلال له استثمارات كبيرة فى منطقة هرتزليا، حتى أن اسم سعد الحريرى رئيس كتلة المستقبل اللبنانية كان يتردد فى بعض الأحيان كشريك رئيسى فى بعض الشركات الإسرائيلية الكبرى التى تعمل فى مجال المقاولات. يوما ما صرح بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق بأن "العرب مجانين لو فكروا فى أن مقاطعتهم لإسرائيل تجنى عليها اقتصاديا، فالناتج القومى لإسرائيل 130 مليار دولار ولا يقل عن ذلك سنويا، والسوق العربى لا يتحمل هذا، وخاصة أن الاستثمار الإسرائيلى الآن فى مجالات التقنية والعلوم والمعرفة. والعرب لا يمكن أن يمثلوا سوقاً رئيسيا لهذه لهذه المنتجات".