سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هل ينجح خفض سعر الجنيه فى جذب الاستثمارات ودعم الصادرات؟.. 20 قرشًا قيمة الخفض خلال يومين وسط توقعات بالمزيد.. توفير الدولار وعدم عودة السوق السوداء والمخاوف من موجة ارتفاع أسعار أبرز التحديات
الخطوة المفاجئة من قبل البنك المركزى المصرى بخفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار، بنحو 20 قرشًا دفعة واحدة، يوم الخميس الماضى، وأمس الأحد، ليصل السعر الرسمى حاليًا إلى 783 قرشًا، وسط توقعات بمزيد من الخفض خلال الأيام القليلة القادمة يحمل العديد من الأهداف وتقابله عدة تحديات، حيث جاء الخفض فى قيمة العملة المحلية ليستهدف بالأساس حركة تصحيحية جديدة فى سوق العملات لجذب الاستثمار الأجنبى ودعم الصادرات، وتقريب سعر الجنيه من قيمته العادلة أمام الدولار الأمريكى. ولكن التحديات الكبرى حاليًا تتمثل فى إتاحة الدولار بأحجام تقابل طلبات الأسواق بما يسهم فى تحجيم تعاملات السوق السوداء للعملة، والتى اختفت نهائيًا خلال الأشهر القليلة الماضية، والحفاظ على عدم عودتها مرة أخرى، إلى جانب المحافظة على مستويات الأسعار وعدم حدوث موجة تضخمية، وارتفاع فى أسعار السلع والخدمات نتيجة اعتماد مصر على الاستيراد بفاتورة من الممكن أت تصل إلى 65 مليار دولار سنويًا. وتعد الحركة التصحيحية التى يجريها البنك المركزى المصرى هى الثانية خلال أقل 8 أشهر، بعد أن أجرى خلال ديسمبر ويناير الماضيين، تصحيحًا فى سوق الصرف أدى إلى توازن سعر العملة المحلية أمام سلة عملات أجنبية رئيسية. والهدف الكامن وراء الخفض يرجع إلى وصول سعر العملة المحلية إلى السعر العادل لها، لجذب المستثمر الأجنبى الذى يبحث عن أسواق تحقق له الاستثمار الآمن لأمواله، والخروج من السوق بدون خسائر، وهدف آخر يستهدف دعم الصادرات المصرية إلى العالم، خاصة إلى الاتحاد الأوروبى أكبر شريك تجارى لمصر. وعودة الإنتربنك الدولارى للعمل بكامل طاقته أصبح وشيكًا مع التدفقات الاستثمارية التى تستهدفها الحكومة المصرية، والتى تصل إلى عدة مليارات من الدولارات، وهو ما يؤكد أن المؤشرات الاقتصادية فى طريقها للتحسن الكبير خلال الفترة القادمة فى ظل إجراءات اصلاحية وتشريعية، دفعت مؤسسات التصنيف الائتمانى إلى رفع تصنيف مصر مرة أخرى بعد سلسلة تخفيضات متتالية، ورؤية متفائلة من قبل تلك المؤسسات. والحركة التصحيحية فى وقت سابق للجنيه المصرى أمام سلة العملات الرئيسية الأخرى كانت ضرورية لضبط سوق الصرف فى ظل انخفاض أسعار البترول عالميًا والذى أتاح للبنك المركزى المصرى هامشًا كبيرًا للتحرك فى سوق الصرف، فى ظل قياس أداء الجنيه أمام 5 عملات رئيسية خلال ال6 أشهر الماضية والذى أظهر ارتفاعًا بنسب تتراوح بين 4.5% إلى 11%. وارتفع الجنيه المصرى أمام الريال البرازيلى بنسبة 11% وأمام اليورو بنسبة 9.7% وأمام الين اليابانى بنسبة 6.8% وأمام الليرة التركية بنسبة 5.5% وأمام الجنيه الاسترلينى بنسبة 4.5% فى حين تراجع أمام الدولار الأمريكى بنسبة 6.7%. وقد ساهمت الإجراءات التى اتخذها البنك المركزى المصرى بوضع سقف للإيداع بالدولار، فى زيادة الموارد الدولارية للبنوك لتصل حاليًا إلى نحو 120 مليون دولار فى المتوسط، بعد أن كانت لا تتجاوز 15 مليون دولار فى المتوسط، وإعلان بنك مصر أنه لا توجد لديه أية طلبات معلقة على العملة، للمرة الأولى بين البنوك الكبرى العاملة فى مصر. ولكن السؤال الأهم هل تخفيض الجنيه فى هذا التوقيت يعود إلى الخطوات الإصلاحية للاقتصاد المصرى، فى إعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة، لخفض العجز، وأيضًا رفع أسعار بعض السلع، أم لعدم إهدار أرصدة الاحتياطى الأجنبى لمصر - والذى شهد انخفاضًا بنحو مليار دولار فى شهر مايو الماضى - فى الدفاع عن العملة فى ظل تدنى الموارد الرئيسية للعملة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة والسياحة؟. الأهداف الهامة حاليًا للاقتصاد المصرى هو زيادة موارده من العملة الصعبة من الاستثمارات والصادرات وتحويلات المصريين العاملين بالخارج والتى تصل إلى نحو 19 مليار دولار، وإدخالها للمنظومة الرسمية، وهو ما يسهم فى زيادة أرصدة الاحتياطى الأجنبى الذى يستخدم فى أوقات الأزمات، والذى تعد الودائع من الدول الخليجية أبرز مكوناته فى الوقت الحالى، وهى ودائع مستحقة السداد بجداول زمنية مختلفة، وهى ما يتأتى بخفض سعر الجنيه أمام الدولار بنحو 2.5% أى بنحو 20 قرشًا على مدار يومين. ودائمًا ما يؤكد البنك المركزى المصرى على التزامه بتوفير الدولار لتلبية السلع الأساسية والاستراتيجية كالمواد الغذائية والأدية والمواد الخام التى تدخل فى الصناعية وغيرها، واحتياجات هيئة السلع التموينية، وهو ما دفعه لتدشين آلية العطاءات الدولارية والتى تعمل على توفير الدولار للبنوك، وهى سياسة تستهدف ترشيد استخدمات العملة الصعبة مع تراجع مواردها الأساسية وهى قطاعات السياحة والاستثمارات والصادرات، وتتمثل فى طرح 4 عطاءات دولارية أسبوعيًا بنحو 160 مليون دولار وإجمالى نحو 500 مليون دولار شهريًا للبنوك العاملة فى السوق المحلية. واتخذ هشام رامز، محافظ البنك المركزى المصرى يوم 4 فبراير 2015، عدة إجراءات فنية لضبط سوق الصرف أهمها وضع حد أقصى للإيداع النقدى "كاش" بالدولار الأمريكى، بحد أقصى 10 آلاف دولار يوميًا من الأفراد والشركات، وإجمالى إيداعات شهرية بحد أقصى 50 ألف دولار "كاش" بالبنوك العاملة بالسوق المصرية، أتاحت القضاء نهائيًا على تعاملات السوق السوداء فى اليوم التالى لتنفيذ هذا القرار، مع إتاحة البنك المركزى المصرى لشركات الصرافة بارتفاع لهامش الربح بنحو 5 قروش كاملة فوق السعر الرسمى، حركها بعد ذلك إلى 10 قروش، الذى استقر على مدار أكثر من 6 أشهر عند 763 قرشًا، قبل أن يحركه البنك المركزى المصرى بنحو 20 قرشًا على جلستين لعطاءات العملة الصعبة. وكانت الشكاوى من قبل بعض المستوردين، من عدم توافر الدولار، محل اهتمام من قبل البنك المركزى، الذى ضخ نحو 500 مليون دولار عن طريق آلية الإنتربنك الدولارى – سوق بين البنوك – لسد احتياجات السلع قبل شهر رمضان بأيام، أتبعها بتوجيه الحصيلة الدولارية بالبنوك لسد احتياجات استيراد السلع والمواد الخام، وتلبية الطلبات المعلقة للسلع الموجودة فى الموانئ والتى كانت محل مطالب من المستوردين. وعندما ننظر إلى ما تحقق فى سوق الصرف، خلال ال5 أشهر الماضية منذ إجراءات البنك المركزى المصرى وحتى الآن، نجد أن السوق السوداء للدولار انتهت تمامًا، وعمل البنك المركزى على توحيد سعر الصرف مرة أخرى، وتم تلبية كافة الطلبات المعلقة على العملة، وانتهت التلاعبات التى كانت تحدث فى سوق الصرف من قبل "مافيا" السوق الذى تحركهم المصالح الشخصية وتحقيق الأرباح، بصرف النظر على مصالح البلاد العليا والتى تعد سوق الصرف أحد أهم عناصر الأمن الاقتصاد والقومى لمصر. ولعل إشادة كريستين لاجارد، مدير عام صندوق النقد الدولى، خلال كلمتها أمام مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصرى، بالإجراءات التى اتخذها هشام رامز، محافظ البنك المركزى المصرى، محل تقدير نظرًا لأن مسؤولى المؤسسة الدولية لا يتحدثون إلا بلغة الأرقام والواقع، وقالت وقتها "لاجارد" "الإجراءات التى اتخذها البنك المركزى المصرى أدت إلى توحيد سعر صرف العملة فى السوق المصرية، مما عمل على ضبط سوق الصرف". وبنهاية شهر ديسمبر 2012، وقبل أيام قليلة من ترك الدكتور فاروق العقدة، محافظ البنك المركزى المصرى السابق، لمهام منصبه، كانت نهاية آلية الإنتربنك الدولارى – بيع البنك المركزى المصرى للدولار للبنوك لضخها فى السوق – وتدشين آلية جديدة هى عطاءات العملة الصعبة 3 مرات يوميًا وشهدت بالتوازى تحريكًا تدريجيًا للعملة المحلية أمام الدولار لتستقر فيما بعد، عند 715 قرشًا أمام الدولار لفترة امتدت لنحو عامين، قبل أن يصل حاليًا إلى 783 قرشًا رسميًا وهو سعر البيع للعملاء. وتعد الأهداف التى دفعت البنك المركزى المصرى إلى تخفيض سعر الجنيه المصرى، فى أساسها تستهدف القضاء على السوق السوداء للعملة التى ظهرت قبل نحو عامين فى عهد محافظ البنك المركزى المصرى السابق فاروق العقدة، والذى دشن آلية لضخ الدولار للسوق عن طريق عطاءات دورية ل3 مرات أسبوعيًا. وفى إطار حزمة الإجراءات الخاصة بسوق الصرف كانت تأكيدات المجموعة الوزارية الاقتصادية على عدم تحصيل قيمة أى خدمة أو سلعة، داخل جمهورية مصر العربية، بغير الجنيه المصرى، طبقا للمادة 111 من قانون البنوك رقم 88، والتى تنص على ما يلى: "يكون التعامل داخل جمهورية مصر العربية شراء وبيعًا فى مجال السلع والخدمات بالجنيه المصرى، وفقًا للقواعد التى تحددها اللائحة التنفيذية، ما لم يُنص على خلاف ذلك فى اتفاقية دولية أو فى قانون آخر"، مشددًا على أنه سيتم تطبيق الجزاءات الواردة على أى مخالف، وهو القرار التى يستهدف فى الأساس تخفيف الضغط على الدولار والطلب عليه مما يسهم فى دعم الاجراءات التصحيحية لسوق الصرف. وتشمل قائمة السلع الأساسية والتموينية التى لها الأولية فى تدبير العملة الصعبة لاستيرادها، الشاى واللحوم والدواجن والأسماك والقمح والزيت واللبن – بودرة - ولبن أطفال والفول والعدس والزبدة، والذرة والآلات ومعدات الإنتاج وقطع الغيار، والسلع الوسيطة ومستلزمات الإنتاج والخامات، والأدوية والأمصال والكيماويات. والقضاء نهائيًا على تعاملات السوق الموازية، هو حافز لتدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر، ويتمثل الهدف الآخر فى العمل على زيادة الصادرات المصرية وزيادة تدفقات السياحة الأجنبية لمصر، والذى من شأنه أن يعمل على زيادة موارد مصر من العملة الصعبة والتى تدعم الاحتياطى من النقد الأجنبى لمصر. وتعد الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان الخاصة بهيئة السلع التموينية لها أولوية قصوى لدى البنك المركزى وبنك مصر الذى يصدر خطابات الضمان لهذا الغرض. وساهمت المساعدات المالية والبترولية والمنح والودائع من 3 دول خليجية هى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت، بعد 30 يونيو 2013 على تدبير جزء كبير من احتياجات مصر من العملة الصعبة خلال الفترة الماضية، مما عمل على تخفيض الضغط على أرصدة الاحتياطى الأجنبى لمصر.